كتبت ساسيليا دومط في “الجمهورية”:
لا زال الزواج في مجتمعنا هو الغاية والمرتجى بالنسبة للفتيات والشباب وعائلاتهم، فيسمع العازب عبارة «نفرح منك» من المحيطين دون توقف…
بلغ جوزف حافة الأربعين من العمر، متمسكاً بفكرة أن الزواج ليس أمراً بسيطاً، وأن الأهم في هذا القرار هو إيجاد الشريكة التي سوف يحبها من كل قلبه ويمضي بقية حياته معها. وفجأة وبدون سابق تصور، قرر الزواج بلورا، بنت الجيران، التي لا تربطه بها علاقة سابقة قائلاً: «شعرت فجأة بأنني تغيرت، فلم أعد أسعى للحب، بل إلى التفكير بعقل ومنطق، فالفتاة مثقفة ولديها عملها الخاص، بالإضافة إلى أنها تربت على الأخلاق والمبادئ، وهي قد صارحتني بحبها منذ سنوات، سوف أتزوّجها في القريب العاجل».
ما هي مقوّمات الزواج الناجح؟ كيف يستمرّ؟ ماذا عن الحب والشغف؟ ما أهمية الإنجذاب الجنسي للشريك؟ وما مدى نجاح زواج العقل والمنطق؟
يشرّع الزواج العلاقة بين اثنين تجاه البيئة والمجتمع، فيتعهدان من خلاله بالعيش معاً أمام الجميع ويتشاركان أمور الحياة كاملة، فيقيمان معاً في مكان واحد، كي ينتقلا فيما بعد إلى تأسيس عائلة من أب وأم وأولاد. إلّا أنّ هذه الرحلة ليست بالأمر البسيط والسهل كما يعتقد البعض، بل تحمل تغييرات جذرية على كافة الأصعدة.
تزوجت ليندا من فارس بهدف الإنجاب (دون الإفصاح له عن ذلك)، إلّا أنها صدمت بعدم قدرتها على التعايش معه، بعد شهر فقط من الزواج، فثمة أمور كثيرة لم تحسب لها حساباً. هي اعتادت أن تسكن بمفردها سنوات عدة، وأزعجها مجرد وجود شخص آخر في المنزل، وطلبه مرافقتها له لزيارة الأهل والخروج مع الأصحاب، ما سبّب لها نفوراً كبيراً تطوّر إلى طلب ترك المنزل.
للزواج أسس لا بد من توافرها لينجح، فلا يكفي لارتباط من هذا النوع إنجذاب جنسي أو رغبة، كما لا يمكن ذلك في غياب العواطف والمشاعر. ويستحيل الإرتباط بشخص ننسجم معه جنسياً ولا نملك طريقة للحوار معه، كجهل لغته بالكامل، وبالتالي عدم القدرة على التواصل. إذ إنّ أساسات الزواج هي الإنجذاب العاطفي والجنسي والرغبة بالآخر، ووجود مشروع مشترك بين الطرفين، كتأسيس عائلة، بالإضافة إلى مشاريع دائمة ومتجددة كشراء منزل وتعليم الأولاد وطريقة التربية، والرغبة بالتسلية والسفر والمرح برفقة بعضهم البعض. أما الركيزة الثالثة والتي لا تقل أهمية عن سابقاتها فهي اتّخاذ القرار بمواجهة التحديات التي ستواجه الثنائي في المستقبل، من مرض وعراقيل مادية وإنجاب وغيرها، والوعي بأنّ هذه الأمور تحصل في الحياة لا محالة.
أما المساهم الأكبر في إنجاح العلاقة الزوجية فهو النضوج العاطفي لدى الشريكين، الذي يندرج ضمنه الإحترام للنفس وللآخر، الإلتزام بالقرار، الوفاء للشريك وعدم التسرّع بإدخال شريك جانبي عند مواجهة مشكلة مع الزوج أو الزوجة. ومن المهم الحفاظ على خصوصية العلاقة، وخلق حدود خاصة بها، وعدم السماح لأيٍّ كان بالتدخل بين الشخصين المتّحدين بالزواج؛ كما يُعتبر العنف الزوجي نتيجةً لعدم النضوج العاطفي.
نواجه تحوّلاتٍ كثيرة في مجتمعنا، ومنها على صعيد الأدوار الإجتماعية للرجل والمرأة. فما تربى عليه كثيرون، والمثل الأول الذي شهدوه في المنزل الأبوي، لم يعد موجوداً، إذ خرجت المرأة إلى سوق العمل، وأصبحت تتقاضى أجراً قد يضاهي أجر الرجل أو أكثر، وتحوّل الرجل إلى الإهتمام بالأطفال، أثناء حضور الأم أو في غيابها. إذاً نحن بالتالي في طور تغيير الصورة الرمزية التي تعوّدنا عليها، تلك التي تظهر الرجل يشاهد التلفزيون أو يقرأ الجريدة بينما تقوم المرأة بمهام عدة كالطهي والإهتمام بالأطفال وبالمنزل.
عندما نتّخذ قرار الإرتباط بالشريك علينا أن نعي اختلافاتنا الشخصية على صعيد الطباع والشكل، بالإضافة إلى ذكائنا وأمراضنا الجسدية والنفسية، كما تجاربنا وخبراتنا السابقة، الشخصية منها والعائلية؛ كما لا نستطيع غضّ النظر عن أهمية المستوى الثقافي والمادي للطرفين، وعادات وتقاليد كل منهما، بالإضافة إلى الإنتماءات على أنواعها من دينية وسياسية ووطنية، لأنّ هذه الأمور تفتح باباً لمشاكل وصراعات لا حدود لها.
إن اتّخاذ قرار الزواج بشخص محدَّد ليس قراراً عرضياً، عشوائياً، بل هو جدّي ومصيري، يحتاج للتدقيق العميق، وهو تغيير جذري في حياة مَن يتّخذه على جميع الأصعدة؛ واختيار الشخص المناسب لنا من خلال البيئة والمستوى الثقافي والمادي هو أمر ملح، والوعي لما لا يشبهنا بالشريك وقبوله، واعتبار ذلك غنى وإضافة للعلاقة، مع عدم التعرّض لأموره الشخصية بطريقة جارحة.