عندما تريد أن تشعل الخلافات في أي مجموعة من الناس، إجعل الغموض يتحكم في قواعد التعاطي بين بعضهم البعض. هذا هو حال الكثير من التعديلات التي أدخلها اتفاق الطائف على مواد الدستور فأصبحت التفسيرات المختلفة لهذه المواد والخلافات حولها وسيلة التعطيل والتوترات، لاسيما وأن مجلس النواب اللبناني سحب صلاحية تفسير الدستور من المجلس الدستوري المكون من ١٠ أعضاء وأناطها بالمجلس النيابي المكون من ١٢٨ عضوا يشبه نقاشهم في أي قضية مهما كانت بسيطة برج بابل حيث لا أحد يمكن أن يفهم ما يقوله الآخر أو حيث لا أحد يدري كيف يحصل التشريع والتصويت والتجربة الأخيرة التي لها علاقة بالمادة ٨٠ من الموازنة خير دليل على ذلك.
رغم هذا الواقع السيء الواضح وضوح الشمس، لجأ رئيس الجمهورية إلى المجلس النيابي كي يفسر القصد من عبارة “وفق مقتضيات الوفاق الوطني” التي ألحقت بالمادة ٩٥ من الدستور وتحديدا بالفقرة التي تتحدث عن التوزيع غير الطائفي للوظائف من غير الفئة الأولى، علما أن الأجواء التي احاطت وتحيط بطلب التفسير هي أجواء انقسام طائفي مسيحي- إسلامي، وبالتالي ففي أحسن الأحوال لن يتمكن مجلس النواب من التوصل إلى أي تفسير، أو قد يفسرها وفق أكثرية وأقلية في المجلس، وهو تفسير لن يكون لمصلحة ما ينشده رئيس الجمهورية من مناصفة في كل وظائف الدولة باعتبار أن النواب المسلمين سيفسرون هذه الفقرة ضد المناصفة ومعهم بعض النواب المسيحيين المنتمين إلى كتلهم أو أن هؤلاء قد يتغيبون ما سيرجح الصوت المسلم على الصوت المسيحي.
إن كل العبارات التي تحمل في طياتها “الوفاق الوطني” و”التوافقية” لم تكن يوما في لبنان، ومنذ اتفاق الطائف تحديدا، وسيلة لمسار سليم في الحكم بل هي خلقت اعرافا وممارسات تخالف الدستور، فهي عطلت اتخاذ الكثير من القرارات، وأدت إلى صرف النظر وتعليق الكثير من القضايا المهمة التي تطال مقومات الدولة وتطويرها، وأججت خلافات طائفية ترتفع حدتها يوما بعد يوم في ظل ربط “الوفاق الوطني” بـ”العددية”، وكأن من وضعوا هذه العبارات في اتفاق الطائف لم يتوصلوا إلى اتفاق يتعلق بالعديد من التعديلات فاستعانوا بهذه العبارات للخروج من المأزق معتبرين أنهم يرمون كرة المسؤولية بعيدا عنهم وان الوقت وغيرهم من النواب والمسؤولين كفيلان ربما بحل المشاكل التي وفي الحقيقة استعصت أكثر فأكثر فحولت “نعمة الوفاق الوطني” الى نقمة حقيقة وهي “النفاق الوطني”.