هذه المرة، بدا رئيس حزب “القوات اللبنانية” سمير جعجع وفيا لشعاره الانتخابي “صار بدا”، فاغتنم فرصة إطلالته التلفزيونية ليبق ما في قمه من “بحصات” كثيرة تبدو أشبه بألغام زرعت على درب علاقته مع من اعتبره صديقه، رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل. وإذا كان هذا الأمر ليس بجديد على متتبعي مسلسل العلاقات المتوترة بين معراب وميرنا الشالوحي، فإن النكهة “المستجدة” التي ضخها جعجع أمس في المشهد المسيحي أولا، تكمن في أنه، وعلى غير عادته منذ انطلاق العهد: لم يوفر بسهامه الانتقادية رئيس الجمهورية العماد ميشال عون.
ولا يخفى أن بين سطور رفع سقوف الخطاب السياسي من جانب القوات، امتعاضا مما تعتبره القوات “تسليم البلد إلى الوزير باسيل”، وهو ما عبر عنه جعجع في الجزء الأخير من الحلقة التلفزيونية، وكسرا للسياسة التي لطالما ركنت إليها معراب تفاديا لإطلاق رصاصة الاجهاز التام على تفاهم معراب، من باب صون المصالحة المسيحية التي لا يزال الطرفان المعنيان بها يتغنيان بالنجاح في إنجازها، وإن كان ذلك يعني القفز فوق السجالات التي تشهدها يوميا حلبات مواقع التواصل الاجتماعي.
على أي حال، فإن هجوم جعجع المفتوح على بعبدا وميرنا الشالوحي على السواء، يأتي في وقت بدت جرعة الدعم البرتقالية لوزير العمل المحسوب على القوات كميل أبو سليمان إشارة ايجابية إلى احتمالات تخفيف الاحتقان بين الجانبين، بعد المناخ الشديد السلبية الذي أرخى بظلاله بين الحليفين اللدودين في خضم مناقشات الموازنة الأخيرة، على سبيل المثال، لا الحصر…
غير أن كل هذا لا يبدو كافيا لإصلاح ذات البين بين الشريكين اللذين تبادلا في مراحل معينة اتهامات لامست خطوطا حمرا من نوع “تغطية الفساد والمفسدين”، و”نكث الالتزام بدعم العهد”. ذلك أن التيار الوطني الحر يبدو مصرا على عدم أخذ المبادرة في تحسين العلاقة مع القوات في الوقت الراهن… إلا بشرط واحد.
وفي السياق، تكشف مصادر في تكتل لبنان القوي لـ “المركزية” أن “إذا لم تغير القوات اللبنانية سلوكها، فنحن لن نبادر إلى العمل على إعادة الأمور إلى مجاريها”، معتبرة أن “أهم ما في هجوم جعجع على التيار ورئيس الجمهورية يكمن في توقيته، حيث أنه يأتي بعد أسبوعين على نقاشات الموازنة التي عارضها نواب القوات في ساحة النجمة، بعدما نالت موافقة وزرائهم لتقر بالاجماع في مجلس الوزراء.
وتعتبر المصادر أن “أمام هذه الازدواجية في الأداء السياسي، ارتأى الزعيم القواتي إعادة شد عصب قاعدته الشعبية، مستخدماً الهجوم علينا”، مذكرة أن هذا القنص المركز ليس أمرا جديدا، بل نهج مستمر منذ ما قبل الانتخابات النيابية الأخيرة، ونحن واعون له لكننا لا نرد عليه لتفادي الغرق في سجالات لا طائل منها.
وتختم المصادر مشددة على أن هذا النوع من الكباشات السياسية المعتادة لا يعني سقوط المصالحة المسيحية، لأن جانبها الشعبي على الأقل مستمر ويترجم بلقاءات دورية ودائمة مع بعض كوادر القوات.