كتب عبد الكافي الصمد في صحيفة “الاخبار”:
خرج الخميس الدخان الأبيض من سرايا طرابلس إيذاناً بانتخاب رياض يمق رئيساً لبلدية المدينة، وخالد الولي نائباً له، وأنهى فراغاً في منصب الرئاسة، استمر منذ سحب الثقة بالرئيس السابق للبلدية أحمد قمر الدين في جلسة عقدت قبل أكثر من أسبوعين.
ففي تلك الجلسة التي عقدت في 16 تموز الماضي، وبعد سحب الثقة بقمر الدين، دعا محافظ الشمال رمزي نهرا، الذي كان يترأس الجلسة، إلى عقد جلسة ثانية على الفور لانتخاب خلف لقمر الدين. لكن فقدان النصاب طيّر الجلسة، التي أعلن فيها لأول مرة، حينذاك، عن دعم 11 عضواً (من المعارضين لقمر الدين) وصول يمق إلى الرئاسة.
فقدان النصاب انسحب على الجلستين الثانية والثالثة اللتين عقدتا في 19 و25 تموز على التوالي، وهو نصاب ردّ أعضاء في البلدية عدم تأمينه إلى ثلاثة أسباب: الأول أنه في الجلسة الأولى كان الاتفاق على سحب الثقة من قمر الدين وليس انتخاب رئيس جديد، لأنه لم يكن قد جرى الاتفاق بعد على اسم معين؛ وفي الجلسة الثانية كان الشرخ لا يزال حاضراً، والرؤوس حامية، فاستقر الرأي على التأجيل؛ أما في الجلسة الثالثة فكان هناك اتفاق ضمني بين أكثرية الأعضاء على عدم تأمين النصاب من أجل انتخاب رئيس، وإعطاء الأمر مزيداً من المشاورات.
خلال الفترة التي امتدت بين الجلستين الثالثة والرابعة، تسارعت الاتصالات للتوصل إلى صيغة حلّ تنهي الفراغ في رئاسة بلدية عاصمة الشمال، وطرحت اقتراحات كثيرة، إلا أنها جميعها كانت تسقط بسبب وجود تحفظات من قوى سياسية ومن أعضاء على هذا المرشح أو ذاك، إلى أن ظهرت معالم اتفاق التسوية قبل نحو 48 ساعة من جلسة أمس.
اتفاق التسوية هذا الذي أفضى إلى فوز يمق برئاسة بلدية طرابلس، بعد حصوله أمس على 13 صوتاً (نائبه الولي فاز بالتزكية) من أصل 22 عضواً حضروا الجلسة (بلدية طرابلس تتكوّن من 24 عضواً، وكان أحد الأعضاء قد استقال في وقت سابق) جاء نتيجة موافقة تيار المستقبل على انتخابه، وإعطاء الرئيس نجيب ميقاتي موافقة ضمنية عليه. فالرئيس السابق للحكومة وجد في يمق ردّ اعتباراً له بعد خسارة الانتخابات البلدية عام 2016، من خلال إبعاد قمر الدين الذي ساءت علاقته به، حتى بات إسقاط الأخير يتقدم عند ميقاتي على دعم مرشحه عزام عويضة لرئاسة البلدية، وهو ما أظهرته النتائج بحصول عويضة على 8 أصوات، هم أصوات الأعضاء المقربين من ميقاتي وأعضاء ليسوا على ودّ مع رئيس البلدية الجديد، بينما لم تقدّم ولم تؤخّر الورقة البيضاء التي عُثر عليها في صندوق الاقتراع.
ويعدّ فوز يمق انتصاراً لمجموعة الـ 11 عضواً الذين كانوا قد تقدّموا بطلب سحب الثقة من قمر الدين، ووقفوا إلى جانب يمق ودعموه برغم كل أساليب الترغيب والترهيب التي تعرّضوا لها، وهو انتصار يأتي استمراراً لنجاح لائحتهم التي فازت بالانتخابات البلدية بـ 16 عضواً، عندما تحالفوا حينها مع الوزير السابق أشرف ريفي، قبل أن ينفض الأخير يده من البلدية.
غير أن يمق الذي سيواجه الكثير من الملفات والقضايا المعقدة والشائكة، وإيجاد حلول لها في ثلاث سنوات، في مدينة تعاني أزمات عديدة ومتشعبة، يعدّ أول رئيس بلدية لطرابلس يُنتخب في منتصف ولاية المجلس البلدي للمدينة منذ تأسيس البلدية عام 1895.
هذه السابقة في بلدية طرابلس سترافقها، وفق مصادر مطلعة، سابقة أخرى، وهي أن رئيس اتحاد بلديات الفيحاء (المكوّن من بلديات طرابلس والميناء والبداوي والقلمون) لن يكون رئيس بلدية طرابلس كما جرت العادة، بل إن قمر الدين سيبقى رئيساً له، وفق تسوية لم يعلن عنها، وسار فيها تيار المستقبل. وأوضح أحد أعضاء البلدية لـ»الأخبار» أن «نصيحة تلقاها يمق بأن يكتفي ببلدية طرابلس، وأن حملها الثقيل سيجعله بالكاد يستطيع القيام بمهماته».