كتبت راكيل عتيِّق في صحيفة “الجمهورية”:
لا تكفي بلدة دير الأحمر معاناتها فإنها تتحمّل نتائج فشل محطة إيعات في تكرير مياه الصرف الصحي، ما أدّى إلى تحويل المجارير «كما هي» في مجرى نهرٍ يمرُّ في المنطقة البقاعية وغيرها من مناطق بعلبك – الهرمل. ففضلاً عن أنّ دير الأحمر لا تستفيد أساساً من محطة إيعات التي تستقبل المياه الآسنة من بعلبك وجوارها، بل تتحمّل «إفرازاتها» فقط بحكم الجغرافيا، فإنّ البلدة الرابضة على سهل البقاع تدفع ثمن اللا تخطيط والعشوائية والفلتان والتعديات على كلّ الصعد، إذ إنّ بلدة الكنيْسة المجاورة والمتضررة بدورها من مجرى «المجارير» أوقفت مجرى النهر عند دير الأحمر، فسدّته بساتر ترابي، ما أدّى إلى مستنقع مجارير على مدخل دير الأحمر يتوسّع يوماً بعد يوم منذ أشهر، ويُغرِق البلدة بكاملها برائحة كريهة وأضرار كبيرة صحية وبيئية.
حاول أهالي دير الأحمر عبر نواب المنطقة وفاعلياتها ومن خلال الإعتصامات والوقفات الإحتجاجية، إيصال الصوت إلى المعنيين، وخصوصاً وزارة الطاقة والمياه، لينقذوهم من مجزرة بيئية تطاول منطقة زراعية وسكنية. سمعت وزيرة الطاقة والمياه ندى البستاني النداء، لكن إلى الآن لا حلَّ مطروحاً أو معالجة على الأرض. وتبقى الرائحة الكريهة والحشرات، المُضيف الأول لأهالي دير الأحمر وزوارها على مدخل البلدة الخضراء.
تعدّيات حتى على “المجارير”
كان من المُفترض أن تستفيد دير الأحمر وغيرها من بلدات السهل من كمية مياه كبيرة مُكرّرة وصالحة للري بعد معالجة مياه الصرف الصحي في محطة إيعات التي باشرت عملها عام 2008، لكن المحطة التي تُشغّلها “مؤسسة البنيان” مُعدّة لتكرير مياه الصرف الصحي من مدينة بعلبك وقرى دورس وعين بورضاي وحوش تل صفية وأنصار ومجدلون وإيعات، والربط العشوائي للشبكات ونقلها مواد كيميائية وفضلات محطات المحروقات والبقايا الناتجة من المسالخ والمعامل والمصانع والمعاصر… عُطّل عملها، إذ إنها ليست مجهّزة لمعالجة هذه الأنواع من الفضلات. كذلك، الزيادة في كميات المتساقطات المتدفقة نحو المحطة فاقم من “فرملة” عملها، بسبب تشبيك مجاري الأمطار بشبكات الصرف الصحي.
وحسب القانون الذي ينصّ على تحويل المياه المُكرَّرة من المحطة إلى أقرب مجرى مياه، حُوّلت المياه الناتجة من محطة تكرير إيعات إلى مجرى “المسيل” الذي يمرّ في دير الأحمر… وهذا المجرى يكون جافاً في فترات من السنة ما يُفاقم تلوُّث مياه الصرف الصحي وضررها، إذ إنها لا تختلط بمياه نقية. كذلك، استغلّ البعض من البلدات حيث لم تُنشأ شبكات صرف صحي هذه الأزمة، فعمدوا إلى نقل “الصرف الصحي” بالصهاريج لتفريغها في مجرى المْسيل.
ويشرح رئيس بلدية إيعات حسين عبد الساتر لـ”الجمهورية” أنّ مشكلة التكرير وانبعاث الروائح الكريهة بدأت منذ تشغيل المحطة عام 2008. وأنّ مخلفات وبقايا المصانع والمعامل تصل إلى شبكات مجارير بعلبك الموصولة بمحطة إيعات من دون أيِّ تكريرٍ أوّلي، على الرغم من أنّ المحطة لا تستوعبها وغير معدّة لتكريرها. فهناك كثير من المسالخ والملاحم ومعاصر الزيتون… الموصولة عشوائياً إلى المحطة، لافتاً إلى أنّ المحطة لا تحوي “فلتر” للزيوت، على سبيل المثال.
ويقول: “حين كنّا نسأل عن سبب اللون الأسود للمياه المكرَّرة وانبعاث الروائح الكريهة، كان الجواب: إنّ النتائج جيدة وإنها محطة نموذجية”، ويضيف: “إذا حُلّت المشكلة ستتحوّل النقمة إلى نعمة بالنسبة إلى القرى المتضررة من المحطة، فتستفيد من كمية كبيرة من المياه للري، تُقدَّر بنحو 60 مليون متر مكعب تروي عشرات آلاف الدونمات، الأمر الذي يحوّل السهل من بعلي إلى مرويّ، ويخفّف الضغط على المياه الجوفية”.
كارثة بيئية
يمرّ مجرى المسيل الطبيعي الذي تُحوَّل إليه المياه من محطة تكرير الصرف الصحي في إيعات، في بلدات شليفا وبتدعي ودير الأحمر والكنيسة… مروراً بشعت وريحا واللبوة… ويصب في نهر العاصي. وتحوّل المسيل من مجرى مياه طبيعية إلى مجرى مجارير تُروى فيها المزروعات في سهل البقاع وتلوّث كلّ المناطق التي تمرّ فيها، وتُقام حملة أمنية حالياً لتوقيف كلّ مَن يروي المزروعات بهذه “المجارير” من مواطنين وسوريين.
أمّا المشكلة التي تعاني منها دير الأحمر، فضلاً عن مرور المجارير في سهلها وأراضيها، فهي أنّ بلدة الكنيسة المحاذية لها والتي تضرّرت كثيراً من مجرى المجارير الذي تجمّع بين منازلها، قرّرت التخلص من هذه المشكلة بإيقاف مجرى النهر للحؤول دون مروره في الكنيسة، فأنشأت ساتراً ترابياً بينها وبين دير الأحمر و”حبست” المجرى في سهل دير الأحمر ما أدّى إلى تجمُّع المجارير وخلّف مستنقعاً كبيراً على مدى نحو 800 دونم، الأمر الذي أدّى إلى كارثة بيئية في السهل على إمتداد نحو 10 كلم.
وفضلاً عن الضرر الصحّي والبيئي على دير الأحمر بكاملها منذ نحو 5 أشهر، يتجمع المستنقع الذي يُشكّل مصدر أوبئة قرب مدرسة راهبات العائلة المقدسة التي تضمّ نحو 600 تلميذ ومركزاً للجيش ومؤسسات تجارية على مدخل منطقة دير الأحمر، حيث تفوح روائح كريهة وتنتشر الحشرات.
ما هو الحلّ؟
لغاية الآن لا خطوة عملية على الأرض ترفع هذا الضرر عن دير الأحمر. وأبرز الحلول الوقتية للتخلص من ضرر مجارير محطة إيعات على كل البلدات التي يمر فيها مجرى المسيل، حسب رئيس إتّحاد بلديات دير الأحمر جان فخري هو تحويل المجارير عبر أساطل تحت الأرض، لا تُلوّث ولا يطاولها المزارعون لاستخدامها في الري.
ويوضح لـ”الجمهورية” “أننا لا نريد أن ينتقل الضرر إلى الكنيسة وسعينا إلى تحويل مجرى النهر إلى منطقة غير مأهولة لتخفيف الضرر، لكن لم نصل إلى اتفاق حول هذا الموضوع”. ويشدّد على ضرورة الإسراع في إيجاد حلّ وقتي ضروري إلى حين إصلاح المحطة، فـ”دير الأحمر لم تعد تتحمّل هذه المجزرة البيئية، والأزمة تتفاقم والحشرات تنتشر، كذلك ازدادت الأمراض عند بعض التلاميذ”.
وزارة الطاقة والمياه هي المسؤولة عن إيجاد الحلول لهذه المشكلة، حلّ دائم لمحطة التكرير في إيعات وحلّ موقّت إلى حين إصلاح المحطة، ينزع الضرر عن دير الأحمر تحديداً وعن كلّ البلدات المتضررة.
وفي هذا الإطار، زارت وزيرة الطاقة والمياه ندى البستاني محطة إيعات مرتين، واطّلعت خلال جولة ميدانية في 19 تموز الفائت على سير العمل في أقسامها. وعقدت لقاءً في مكتب محافظ بعلبك – الهرمل بشير خضر في بعلبك مع المعنيين، واستمعت إلى الاقتراحات المتعلقة بموضوع معالجة إقفال المسيل في اتجاه الكنيسة. وأعلنت عن تلزيم الدراسة لتطوير المحطة، بالتوازي مع مسح لكل التعديات التي أوصلت المحطة إلى عدم القيام بعملها كما يجب.
وينتظر أهالي دير الأحمر الحلّ الموقّت الذي وعدت به بستاني المعنيين، ويقول فخري: “ما تراه مناسباً نقبل به. نريد حلّاً فقط”.
تأخُّر الحلّ يثير نزاعاً مناطقياً
وفي حين يشكو أهالي دير الأحمر من سد المجرى في الكنيسة وفرض الضرر على دير الأحمر، ما يُنذر باحتمال سعي الأهالي إلى إزالة الساتر الترابي وإعادة المسيل إلى مجراه الطبيعي، يعزّز تأخُّر إيجاد الحلّ نسبة نشوء نزاع بين أهالي البلدتين بسبب “المجارير”. وفي هذا الإطار، يؤكّد فخري “أننا لا نريد تحويل الأزمة إلى مشكلة مناطقية داخلية”، مشيراً إلى أنّ “تجمّع المجارير وضغط المستنقع على الساتر الترابي قد يؤدّي إلى فتح مجرى النهر جراء الضغط، وحينها سيكون الضرر على الكنيسة أكبر”.
من جهته، يشرح مختار الكنيْسة نواف زعيتر لـ”الجمهورية” أنّ “المْسيل يمرّ قرب منازل البلدة التي يسكنها 20 ألف نسمة، ونزح نصفهم إلى بعلبك وبيروت نتيجة الأوبئة والأمراض. وكلّ الأراضي التي تمرّ فيها مياه الصرف الصحي لم تعد صالحة للزراعة لخمس سنوات وربما أكثر”.
ويؤكّد أنّ “الموت فقط يفرق بيننا وبين أهالي دير الأحمر. ولا نريد أن يتضرّر لا أهالي دير الأحمر ولا أهالي الكنيسة ونريد حلّاً”. ويوضح أنّ “أهالي الكنيسة أنشأوا “تسكيرة” في أرض الكنيسة لا أرض دير الأحمر. وإذا كان الضرر في دير الأحمر بنسبة 20 في المئة فعندنا نسبته 90 في المئة، فالمجارير تمرّ بين المنازل”.
على صعيد عمل وزارة الطاقة والمياه لحلّ هذه الكارثة، كلّفت البستاني إستشارياً لدرس المشكلة وإيجاد حلٍّ جذري لها إلى حين إصلاح المحطة، إذ إنّ هذا الحلّ حاجة ملحّة خصوصاً أنّ تحديث المحطة وتطويرها وتحويلها محطة نموذجية يتطلّب سنوات. فالمرحلة الأولى من هذه الخطة، أي إجراء الدراسات اللازمة لن تُنجز قبل أشهر. وعلى أساس الدراسة يُحدّد الحلّ ويُلزّم تحديث المحطة.
وفي إطار متابعته لهذه المشكلة، التقى نائب بعلبك – الهرمل أنطوان حبشي وزيرة الطاقة الجمعة الماضي. ويقول حبشي لـ”الجمهورية” إنّ البستاني “تبدي تعاوناً وتسعى من خلال خطة طويلة الأمد لمعالجة موضوع محطة تكرير ايعات وإيقاف الضرر البيئي عن المناطق المحيطة بها”.
ومن الحلول الآنيّة المطروحة، إيقاف توصيل عدد من القرى لمحطة ايعات الذي يخفّف من تدفق المياه الآسنة على المحطة إلى حين تأهيلها وامتلاكها القدرة لاستيعاب كمية المياه المبتذلة والمواد الصناعية وتكريرها.
أمّا بالنسبة إلى الحلّ الموقّت لرفع الضرر عن دير الأحمر، فقالت البستاني لحبشي إنها ستجيبه بعد أسبوع وتطرح تصوّراً لحلّ. مرّ الأسبوع، وإلى الآن لا حلّ، وأهالي دير الأحمر ينتظرون، لكن إلى متى؟