Site icon IMLebanon

“تنفيعة” مبنى “تاتش”: مَن المستفيد؟

كتبت جريدة “الأخبار”:

تكبدت الخزينة العامة 75 مليون دولار ثمنا لمبنى، كان يُمكن أن تُصرف في مجالات حيوية. الخطوة التي قال وزير الاتصالات محمد شقير إنها «توفيرية»، تبيّن أنها تُكبّد الخزينة العامة مصاريف إضافية، في صفقة يجزم معنيون بقطاع الاتصالات بأنّ فيها «تنفيعة» لمجموعة من الأشخاص الذين يجب على شقير كشف هوياتهم للرأي العام!

75 مليون دولار ستدفعها الدولة اللبنانية ثمن مبنى، ستشغله شركة «تاتش»، المُشغلة لشبكة «mic 2» للهاتف الخلوي. يقع المبنى في نطاق ما أصبح يُعرف بـ«سوليدير»، واحدة من أغلى المناطق العقارية في لبنان. حين أخبر وزير الاتصالات محمد شقير «الرأي العام» بالموضوع، أول من أمس، قدّمه بوصفه «إنجازاً»، وخطوة يجدر تهنئته عليها: الدولة تستملك مبنى بمبلغ 75 مليون دولار، فيما كانت القيمة الإجمالية لإيجاره لمدة 10 سنوات ستبلغ 68.5 مليون دولار.

قال شقير إنّ الدفعة الأولى «التي سُددت في السابق، كبدل إيجار، وقيمتها 6.4 ملايين دولار، احتُسِبَت من ضمن الدفعة الأولى لثمن المبنى، فيما المبالغ الباقية ستُدفع على ثلاث دفعات، على أن تكون آخرها في الـ2022».

ربما اعتقد شقير أنه سينتج من إعلانه موجات من التصفيق الافتراضي لوزير «يوفّر» على الخزينة العامة، ويوسّع من قاعدة أملاك الدولة، فيما هو مشهور بالترويج للخصخصة ولإحلال القطاع الخاص مكان العام. ولكن، النتيجة أتت معاكسة، ليس فقط بسبب تبذيره 75 مليون دولار، لقاء مبنى لا يُشكل ضرورة طارئة، وفي وقت تعتمد الدولة سياسات تقشفية، بل لأنّ خطوة شقير، في الحقيقة، لا تمتّ إلى «التوفير» بأي صلة.

أولاً، لا بد من التذكير بأنّ وزارة الاتصالات سبق أن استأجرت، عام 2012، لشركة «تاتش»، مبنى في منطقة الشياح (بناية قصابيان) بإيجار سنوي يبلغ 2.2 مليون دولار، على أن ترتفع قيمة بدل الإيجار سنوياً بنسبة 6 في المئة عن العام السابق. لكن الوزارة عادت وطلبت فسخ العقد، ما أدى إلى تكبيد الخزينة خسارة مالية محققة وأخرى مستقبلية (راجع «الأخبار»، 5 تشرين الأول 2015). رغم ما تقدّم، قررت الوزارة، في عهد شقير، استئجار مبنى في وسط بيروت، بإيجار سنوي يفوق ثلاثة أضعاف ما كان سيُدفع في الشياح، قبل أن تحوّل العقد من استئجار إلى شراء، مستفيدة من الحملة الشعبوية التي انطلقت من مجلس النواب ضد إيجارات الدولة (من دون أي دراسة جدية لحاجات الإدارة والمؤسسات العامة، ومن دون أي دراسة جدوى حقيقة توضح فعلاً الأفضل: أن تدفع الدولة مئات ملايين الدولارات لشراء عقارات، أو أن تستمر بدفع إيجارات؟). وتلفت مصادر مطلعة في قطاع الاتصالات إلى أنّ على وزير الاتصالات أن يكشف الهويات الكاملة لمالكي المبنى الذين استفادوا من الصفقة، وهم المساهمون الحقيقيون في الشركات الثلاث الآتية: شركة «سيتي ديفلوبمنت ش. م. ل.»، شركة «ب س 1526 باشورة ش. م. ل.»، وشركة «AC REALITY GROUP ش. م. ل.». فهذه الشركات تظهر أسماؤها في الإفادة العقارية للمبنى، كشركات مدينة لأحد المصارف الكبرى بنحو 73 مليون دولار أميركي، بضمانة العقار نفسه.

وتستغرب مصادر أخرى مطلعة على «الصفقة» كيف أنّ رئيس الهيئات الاقتصادية (أي شقير)، «غيَّبَ عن باله معادلات اقتصادية مُسلّماً بها، تنسف تماماً نظريته عن أنّ شراء المبنى وفّر على الدولة». وتشرح بأنّ القيمة الصافية لإيجار المبنى، «إذا كانت الفائدة 10٪، ستبلغ 41.6 مليون دولار. أما إذا كانت الفائدة 12٪، فستبلغ القيمة 38.2 مليون دولار». لذلك، بحسب المصادر، «لا يُمكن شقير القول إنّ الدولة كانت ستدفع 70 مليون دولار قيمةً إجمالية لإيجار على مدى 10 سنوات».

أما النقطة الثانية التي تلفت المصادر النظر إليها، فهي فائدة تقسيط المبلغ على ثلاث دفعات. «صحيح أنّ سعر المبنى، نسبةً إلى المنطقة التي يقع بها، رخيص نسبياً، فقد بلغ سعر المتر خمسة آلاف دولار، لكنّ المعلومات ناقصة». ففي ظل الركود الذي يشهده القطاع العقاري، ستدفع وزارة الاتصالات «جزءاً من المبلغ مباشرة، فيما تُقسّط القيمة الباقية». وتضيف المصادر أنّ الدولة ستتكبد ١٠ ملايين دولار إضافية، لقاء تقسيط المبلغ، «يعني أنّها ستدفع قرابة الـ٨٥ مليون دولار، لقاء المبنى». كذلك فإن الـ75 مليون دولار، لو استُثمِرَت مصرفياً، بفائدة ١٢٪ المعتمدة حالياً والمرشحة للارتفاع، لكانت رُبحت، بعد 10 سنوات 90 مليون دولار، إذا أضفناها إلى الـ75 مليون دولار، تكون النتيجة 165 مليون دولار»!