هناك مبالغة في الحديث عن حرب صلاحيات بين رئاسة الجمهورية ورئاسة مجلس الوزراء، تسببت بها ردات الفعل التي لا تتوافق مع موقع الرئاستين ومكانتهما في إدارة الشأن العام على صورة الحدة التي عبَّر فيها الوزير الياس بو صعب تجاه كلام المصدر الحكومي الجمعة أو على صورة ما تسرب من أروقة القصر الجمهوري بأن “لبنان دولة وليست عشيرة، تعقيبا على توضيحات المصدر ذاته بشأن موقف رئيس مجلس الوزراء سعد الحريري”.
ويعلّق مصدر مطلع على ذلك بالقول إنه “قد يكون من المفيد تذكير من تخونه الذاكره أحيانا أن الحريري يلتزم منذ عودته إلى السلطة نهجا يرتكز إلى اعتبار التعاون والتنسيق بين رئاسة الجمهورية ورئاسة مجلس الوزراء مسألة لا يصح التلاعب بها وإخضاعها للمزايدات لأنها تشكل حجر الأساس في بنيان الاستقرار السياسي لعمل الدولة والمؤسسات الدستورية، وهو يعي تماما السلبيات التي ترتبت على تجارب عديدة في عهود سابقة وضعت البلاد في مهب الخلافات السياسية غير مرة “.
وأضاف المصدر: “جنوح بعض المحيطين الذين يتولون النفخ في أذن الرئيس عون باقتراحات وتفسيرات وفتاوى وخروج بعض وسائل الإعلام من أروقة القصر لتتحدث عن الحق الدستوري لرئيس البلاد بالدعوة إلى جلسة مجلس وزراء بالاتفاق مع رئيس الحكومة وعن وقائع مكالمة هاتفية حصلت بين الرئيسين هو بالتأكيد أمر مستغرب ولا يضيف إلى الواقع السياسي سوى المزيد من البلبلة والتجاذب. ولعله لم يكن هناك من داعٍ لطرح الموضوع أساسا في وسائل الإعلام لأن المكالمة بين الرئيسين وما دار فيها هي حق حصري للرئيس ميشال عون والرئيس سعد الحريري ولا يحق لأي وزير أو مستشار من المقربين أن يتصرف بها كمادة إعلامية يجري من خلالها صب الزيت على نار المواقف والسجالات “.
وتابع: “ليس هناك من يجادل بصلاحيات رئيس الجمهورية وفقاً للمادة 53 من الدستور والبند الثاني عشر منها تحديدا لأنها في الأساس أيضا، موضوع غير مطروح ولم يكن هناك من موجب لإثارته للإيحاء كما لو أن رئيس مجلس الوزراء يتخلّف عن أداء صلاحياته بدعوة مجلس الوزراء إلى الانعقاد، فضلا عن أن المكالمة بين الرئيسين لم تتطرق لهذا الأمر من قريب أو بعيد وهي تناولت وجوب انعقاد مجلس الوزراء وتهيئة المناخ الملائم لجلسة غير قابلة للتفجير “.
وقال: “نحن في هذا المجال نلتقي مع المصدر الذي قال من قصر بعبدا بإن لبنان دولة وليست عشيرة ولأن الأمر كذلك يفترض أن يكون الاحتكام للمؤسسات سياسة دائمة وليس على القطعة، نلجأ اليه عندما يكون لمصلحتنا ونعطله إذا لم يتلاءم مع تلك المصلحة . لقد انتظر رئيس الحكومة أكثر من ثلاثة أسابيع ليرفعوا الحجر السياسي، إذا صح التعبير، عن انعقاد مجلس الوزراء وأخذ في صدره مسؤولية تعليق الدعوة بترحيب وموافقة الجميع تجنبا لزج الحكومة في اشتباك داخلي مجهول العواقب، إلى أن سقطت المبادرة تلو المبادرة واصطدمت جهود اللواء عباس إبراهيم بجدران التصعيد وانطلقت في الساعات الـ48 الماضية حملات التهديد والوعيد بمقاطعة مجلس الوزراء ما لم يتم إدراج موضوع المجلس العدلي بندا أول على جدول الأعمال، الأمر الذي يرفضه الرئيس الحريري بالمبدأ ولن يسلِّم به لأي جهة غير رئيس الجمهورية تحاشيا لوقوع مجلس الوزراء في فخ غير محسوب النتائج أو في أفخاخ أخرى تنصب لتوجيه التحقيقات القضائية في مسارات معينة على قياس أحد الأطراف”.
وختم المصدر: “بدل إضاعة الوقت في توجيه النصائح الخلافية، يستحسن مضاعفة الجهد لتهدئة الخواطر ونزع فتيل النزاع وتفعيل خطوط المصالحة”.