بعد شهر وخمسة أيام على حوادث الجبل الدامية، وما تبعها من تأزّم سياسي يمكن القول إنه الأسوأ منذ الفراغ الرئاسي، دخل رئيس الجمهورية العماد ميشال عون على خط اشتباك البساتين، عبر كلام نقل عنه في الصحف، كفيل بقلب المشهد القائم، رأسا على عقب.
حتى الساعة، لم يصدر اي نفي او توضيح عن دوائر القصر لما نُسب الى الرئيس عون، ما يعني ان ما نشر صحيح. هو اعتبر ان “حادث قبرشمون كان “مكمناً أعد لجبران باسيل وليس لصالح الغريب”. وقد دعّم موقفه هذا بمعطيات مفادها ان لدى التحقيق “تسجيلات صوتية مع الارقام الهاتفية بالتواريخ والدقائق والثواني عن التعليمات التي أعطيت في ذلك اليوم، ومنها باستعمال السلاح عند الضرورة لمنع موكب وزير الخارجية من العبور الى كفرمتى. ومن الأدلة بالصوت، استناداً الى أحد مسؤولي الحزب التقدمي الاشتراكي: “يمكن الوزير الغريب وحده ان يعبر الطريق الى بلدته، أما غيره فما بيمرق”.
هذا الكلام، وفق ما تقول مصادر سياسية سيادية لـ”المركزية”، من شأنه تبديل خريطة “الحرب” السياسية الدائرة، خاصة لجهة المتخاصمين. فما قاله، يقطع الطريق نهائيا على فرضية الكمين الذي كان يستهدف الوزير الغريب، وتاليا يفترض ان يُخرج الحزب الديموقراطي اللبناني ورئيسه طلال ارسلان من ساحة المواجهة، فالتسجيلات لا تدحض فقط نظرية محاولة اغتياله بل وتؤكد انه الوحيد الذي يمكن ان يمرّ الى بلدته”.
بالمنطق اذا، لم يعد مبررا ان يمسك ارسلان بمفاتيح مجلس الوزراء وان يشترط طرح احالة “الكمين الذي يستهدف وزيرا في الحكومة الى المجلس العدلي” كبند اول على جدول الاعمال، لتُعقد الجلسة، فلا هو ولا فريقه، بشهادة رئيس الجمهورية، كان معنيا بما جرى في قبرشمون.
بعبدا، تضيف المصادر، سحبت اذا، من حيث تدري او لا، ورقة التعطيل من يدَي “الديموقراطي”، ووضعتها في جعبة التيار الوطني الحر. ففي ضوء مواقف الرئيس عون، بات لرئيس البرتقالي الوزير جبران باسيل، ان يقرر كيف يتعاطى مع الملف. فهل يريد الاستمرار في اشتراط “العدلي” او لا؟ وهل يريد طرح القضية في مجلس الوزراء؟ أصبح هو اليوم، غداة كلام الرئيس، “وليّ الدم” اذا جاز القول، ولم يعد ارسلان في هذا الموقع.
الى ذلك، تشير المصادر الى ان ما نقل عن رئيس الجمهورية يؤكد ان اللجوء الى السلاح لم يكن مقررا من قبل الحزب “التقدمي الاشتراكي” سلفا، بل “فقط اذا اقتضى الامر”، علما ان التحقيقات تثبت ان الحزب ليس من أطلق الرصاصة الاولى. وما قاله يدل الى ان “الاشتراكي” كان يريد منع باسيل من المرور مستخدما البيض والبندورة ووسائل تعبير “تقليدية”، يلجأ اليها محتجون ومتظاهرون في دول العالم كلّها ولم يسلم منها رؤساء جمهوريات وقد نال كثيرون منهم، يوما ما، نصيبهم من البيض والاحذية!
هذه الوقائع والمعطيات، أفقدت من جهة، الحديثَ عن “محاولة اغتيال الغريب”، صلاحيته وقد باتت تتطلب تنسيقا بين بعبدا وخلدة، لا بين الثانية والمختارة. وهي أكدت من جهة ثانية، ان لا نيات أساسا لاغتيال أحد”. فهل يجوز الاستمرار في اعطاء القضية أحجاما منفوخة تعطّل بها مجلس الوزراء ومصالح البلاد والعباد؟ قطعا لا، الا اذا كان المطلوب واحدا “أيا كانت الضحية”: رأس وليد جنبلاط سياسيا!