كتب أحمد الأيوبي في صحيفة “اللواء”:
إتسم حديث النائب والوزير السابق المحامي حسن الرفاعي عن التطورات السياسية وأبعادها الدستورية بقرع ناقوس الخطر من الخروقات المتمادية للدستور على جميع المستويات ومن تداعياتها على الحياة الوطنية ومستقبل لبنان.
العلامة الرفاعي حذّر من أن لبنان دخل في «أسوأ فوضى تصيب جميع سلطات الدولة لأن رئيس الجمهورية محاط بمستشارين يريدون الإنقلاب على الدستور وتكريس ممارسة وأعراف جديدة تضرب النظام البرلماني، كلّ ذلك بحجة «الرئيس القوي» ، ورأى أن بدعة الحصة الوزارية للرئيس حوّلته إلى طرفٍ في النزاعات الحكومية.
ورفض الرفاعي «ظاهرة تطاول البعض بحجة إمتلاكهم الثلث المعطِّل في مجلس الوزراء وإبتزاز رئيس الحكومة عبر إشتراط وضع بندٍ ما على جدول أعمال مجلس الوزراء أو على رأس هذا الجدول تحت التهديد بمقاطعة الجلسات وتعطيل اجتماع مجلس الوزراء» مستذكراً أن هذا الأسلوب سبق أن إستـُعمِل أيام ما أسمي بملف «شهود الزور» وقد تكون نيّة البعض اليوم تكرار هذا الإبتزاز من أجل ما يسمّى بـ «ملف حادثة البساتين».
مقاربات في الدستور والسياسة
حديث العلامة الرفاعي يأتي في توقيت سياسي يأخذ فيه الشأن الدستوري الإهتمام الأكبر نظراً لأن الأزمة الحكومية الراهنة تأتي في إطار الصراع المندلع لتجويف إتفاق الطائف وكسر قواعد الدستور وفرض وقائع مستفزة على خلفياتٍ طائفية يقوم بها فريقٌ سياسيّ مسيحي (التيار الوطني الحر) مدعوماً من «حزب الله» في الطريق إلى الإنقلاب على القواعد الناظمة للحياة السياسية في لبنان.
في السطور الآتية يجيب العلامة الرفاعي على أسئلة «اللواء» مقدِّماً رؤيته حول ما يجري من أحداث سياسية بعين الدستوريّ المتصدّي للخروقات والمذكّر بالأسس والثوابت.
هل رئيس الجمهورية في الطائف حَكَمٌ أو حاكم؟
رئيس الجمهورية قبل وبعد الطائف لم يكن حاكمًا أبدًا، أمّا الحَكَمْ فصحيح وفُسِّرت عند بعض الفقهاء إنه حَكَمٌ دون أن يكون رأيه ملزِمًا وإنّما قراره توجهيًا. الرئيس مشرف وحارس على تطبيق الدستور، ساهرٌ على تنفيذه والصلاحيات والأدوات المعطاة له منصوص عنها بما يقارب 27 مادة من الدستور. ولكن منذ سنة 1943 وحتى اليوم لم يكن رئيس الجمهورية عبر تصرفاته رئيسًا فعلياً بالمعنى الذي يفرضه الدستور والأعراف البرلمانية الثابتة والمبادىء العامة في الفقه الإداري بل كان يسعى غالباً أن يتدخل لمصلحة فئة أو منطقة أو جماعة يعتبرها أقرب إليه وذلك مع بعض الإستثناءات النادرة. أما اليوم فنحن في أسوأ فوضى تصيب جميع سلطات الدولة لأن رئيس الجمهورية محاط بمستشارين يريدون الإنقلاب على الدستور وتكريس ممارسة وأعراف جديدة تضرب النظام البرلماني، كلّ ذلك بحجة «الرئيس القوي».
هل لرئيس الجمهورية حصّة وزارية؟ وما أثر هذه الحصة على إدارة مجلس الوزراء؟
رئيس الجمهورية وفقًا لنظامنا قبل وبعد الطائف مفروض أن يكون حياديًا ولا يُصوِّت في مجلس الوزراء وهو لا يملك حصّة وزارية على الإطلاق رغم سوابق عديدة مخالِفة لا يمكن أن تشكّل عرفاً لأن ما بُنِيَ على فاسد يبقى فاسداً ولا يجب أن يُبنى عليه. وهذا ما دافع عنه بقوة الوزير سليم جريصاتي في محاضرةٍ له سنة 2011 في مركز عصام فارس منتقداً بشدّة أن يكون للرئيس ميشال سليمان بعض الوزراء في الحكومة على إثر تسوية الدوحة ولكن للأسف وكعادة الرئيس عون وفريقه عادوا وانقلبوا كلّياً على آرائهم وأكبر دليلٍ على ذلك التشكيلة الحالية للحكومة.
هذا، ولو سلمنا جدلاً بأن يكون لرئيس الجمهورية حصة وزارية فيصبح عندها الرئيس فريقًا سياسيًا كباقي الفرقاء في الحكومة وبالتالي يكون قد تخلّى عن رئاسة الجمهورية كما يفرضه الدستور والأعراف وأقوال الفقهاء والاجتهاد السابقين. علماً أن رئيس الجمهورية الذي له وزراء يُعتبر كأنه شارك عبرهم في التصويت على مواد جدول الأعمال وسيتحمّل معنوياً بشكل غير مباشر نتيجة فشل تصويتهم.
مَن يضع جدول أعمال مجلس الوزراء وهل يصح أن تفرض أي جهة سياسية شروطاً لإنعقاد الحكومة ؟
تنص المادة 64 من الدستور في فقرتها السادسة أنه يعود لرئيس مجلس الوزراء وضع جدول أعماله وإطلاع رئيس الجمهورية مسبقاً على المواضيع التي يتضمّنها وعلى المواضيع الطارئة التي ستُبحث. أما المادة 53 من الدستور فتنص في فقرتها 11 أن لرئيس الجمهورية أن يَعرِضَ أي أمر من الأمور الطارئة على مجلس الوزراء من خارج جدول الأعمال.
يُستفاد من صراحة النصوص الواردة أعلاه أن وضع جدول أعمال مجلس الوزراء هو من صلاحية رئيس الحكومة دون سواه ولا نرى أن بوسع رئيس الجمهورية حينما يحضر جلسات مجلس الوزراء ويترأسها أن يُعدِّل في ترتيب مواضيع جدول الأعمال دون موافقة رئيس الحكومة.
من ناحية أخرى لا بدّ من اللفت إلى ظاهرة تطاول البعض بحجة إمتلاكهم الثلث المعطِّل في مجلس الوزراء إلى إبتزاز رئيس الحكومة عبر القول له إمّا أن تضع هذا الموضوع أو ذاك على جدول أعمال مجلس الوزراء أو على رأس هذا الجدول وإلّا قاطعنا الجلسات وعطّلنا اجتماع مجلس الوزراء… وقد استُعمِلَ هذا الأسلوب أيام ما أسمي بملف «شهود الزور» وقد تكون نيّة البعض اليوم تكرار هذا الإبتزاز من أجل ما يسمّى بـ «ملف حادثة البساتين».
المجلس الأعلى للدفاع: هل له قدرة تقريرية أم أنّه ينفذ قرارات مجلس الوزراء؟
مجلس الأعلى للدفاع يخضع حكماَ لسلطة مجلس الوزراء فالمادة 65 من الدستور تبدأ على الشكل الآتي: «تُناط السلطة الإجرائية بمجلس الوزراء وهي السلطة التي تخضع لها القوات المسلّحة…» كما أن المادة 49 من الدستور التي تتكلّم عن صلاحيات رئيس الجمهورية تنص «… وهو (أي رئيس الجمهورية) القائد الأعلى للقوات المسلّحة التي تخضع لسلطة مجلس الوزراء».
ما هو الرأي الدستوري في قانون الانتخاب الحالي وبالقانون الذي يطرحه الوزير جبران باسيل على أساس أن تنتخب كل طائفة نوابها؟
يعود لمجلس الوزراء الحق بوضع مشروع قانون الإنتخاب كما يحق لبعض أعضاء السلطة التشريعية تقديم اقتراح قانون انتخاب على أن الكلمة الفصل في النهاية تعود إلى الهيئة العامة في مجلس النواب. ولكن يُفترض في قانون الإنتخاب المقرّ أن يراعي مبادئ الديمقراطية وحسن التمثيل وصحّته وكذلك التقسيمات التي نصّت عنها المادة 24 من الدستور لجهة المناصفة بين المسيحيين والمسلمين…أما في ما يعود لقانون الإنتخاب الحالي فهو قطعاً سيئ وليس له أن يدّعي النسبية في غياب أحزاب سياسية حقيقية ذات برامج واضحة تضع الناخبين أمام خيارات سياسية واضحة.
من ناحية أخرى أرى أنه إلى حين قيام هذه الأحزاب يبقى القانون الأكثري على أساس الدائرة الصغرى وحتى الفردية هو الأفضل والأكثر ديمقراطية. وهو برأيي يمكن أن يشكّل خطوة على طريق إلغاء الطائفية السياسية في يوم من الأيام إذ أنه سيتيح في دوائر عديدة وصول نوابٍ بأصوات مواطنين من طوائف مختلفة يجمعهم العيش الواحد في هذه الدائرة الإنتخابية بعكس ما يسمّى بالقانون الأرثوذكسي وما شابهه الذي يفرز المواطنين والناخبين وفقاً لطوائفهم ومذاهبهم ومللهم ويُعلي خطاب التطرّف والعصبيات وفي ذلك كلّه ضربٌ للعيش الواحد للبنانيين كما فيه إبتعادٌ أكيد عن احتمال وصول لبنان في يوم من الأيام إلى إلغاء الطائفية السياسية التي نصّت عنها المادة 95 من الدستور.