Site icon IMLebanon

المدارس الخاصة المجانية “ترسب” ومزاريب الهدر “تنجح”… بجدارة

كتبت إيفون صعيبي في صحيفة “نداء الوطن”:

خاص ومجّاني؟! للوهلة الأولى يبدو هذان المصطلحان كخطّين متوازيين من غير الممكن أن يلتقيا أبداً، خصوصاً أننا اعتدنا المجاهرة بالصفقات الحكومية المشبوهة وبالانتفاعات لمصلحة المحميّات السياسية. ففي وقت تخنق الحكومة المعونة للمدارس الخاصّة المجّانية التي تؤدّي رسالة إنسانية نيابة عن الدولة، لا تجد عيباً في تغطية الهدر في المرافئ والمعابر غير الشرعية ومزاريب أخرى، لتؤكّد بذلك ان التقشّف يتمّ فقط على حساب المواطنين عموماً والمحتاجين خصوصاً.

بعض المدارس الرسمية منوط بقدر كبير من الهدر والفساد والفوضى التي تكبّد الخزينة مليارات الدولارات بلا جدوى. لكنّ هذه الامور لا تنطبق على “المدارس الخاصة المجانية” التي تجاهد لتبقى وتؤمّن التعليم للفقراء الموجودين في المناطق النائية وفي ضواحي المدن المكتظّة حيث تغيب المدارس الرسمية.

أنشئت المدارس الخاصة المجانية في الخمسينات بقرار حكومي. كان الهدف منها سدّ الثغرات الموجودة في التعليم الرسمي لا سيما وأن هناك مناطق كثيرة تفتقر الى وجود مدارس تابعة للدولة تستوعب التلاميذ كافة. آنذاك اتُّخذ القرار بإعطاء التراخيص للمدارس الخاصة المجانية من أجل تأمين التعليم للصفوف الابتدائية على ان تقوم الدولة ممثلة بوزارة التربية والتعليم العالي بمساهمة تعتبر كمنحة لكل تلميذ (150% من الحد الادنى للأجور)وفي المقابل يترتّب على كل تلميذ المساهمة بمبلغ محدود يشكل الرسوم السنوية (130% من الحدّ الادنى للأجور).

حدد القانون 104 تاريخ 6/11/1991 المدارس الابتدائية الخاصة المجانية التي لا تستفيد من مساهمة الدولة المالية اما تلك المتبقية فما زالت تعمل وفق النظام المجاني.

في العام 1995، اشتكى بعض المسؤولين من مخالفات تقوم بها بعض المدارس الخاصة المجانية فعمل التفتيش المركزي على ضبطها، واقرت الحكومة مجتمعة بقرار رقم 20/95 عدم صرف اي مساهمة مالية الا بعد تأكد التفتيش المركزي من عدد التلاميذ والتأكد من عدم وجود طلاب وهميين، كذلك تقييم مستواهم العلمي، فالتلميذ الذي يتضح انه دون المستوى العلمي المشروط يفقد منحته تلقائياً.

يبلغ عدد المدارس الخاصة المجانية اليوم حوالى 366 مدرسة (بحسب مصدر في وزارة التربية والتعليم العالي) تحوي 116.000 تلميذ من المرحلة الابتدائية فيما تقوم المدارس الرسمية بتعليم 260.000 تلميذ. هذا وتؤمن المدارس الخاصة المجانية العمل لما يقارب 6000 أستاذ وما لا يقل عن 3000 عامل وأجير ومتعاقد.

ان حاصل احتساب كلفة التلميذ على المدرسة من كلفة أفراد الهيئة التعليمية (راتب أساسي + بدل نقل + طوابع + صندوق الضمان الاجتماعي + صندوق التعويضات + ضريبة الدخل) هي كلفة الاستاذ سنوياً تقسم على 19 تلميذاً.

وتشمل مستحقات المدرسة عن التلميذ: رسوم التعليم + المساهمة المالية، اي قبل السلسلة فكانت: 650.000+800.000 مع علاوة التعليم و675.000 من دون علاوة التعليم. اما بعد السلسلة فاصبحت: 877.500+ 1.080.000 مع علاوة التعليم و911.000 من دون علاوة التعليم. ما يتبقى للمدرسة من اجل تغطية نفقات اضافية على تكلفة أفراد الهيئة التعليمية من رواتب وأجور (سكرتير – محاسب – عامل تنظيفات – سائق – صيانة -أجرة بناء – قرطاسية – أثاث): 1.957.500 – 1.727.315 = 230.185 ل.ل.

عضو هيئة القضايا في الامانة العامة للمدارس الكاثوليكية، ومسؤولة الشؤون القانونية للمدارس الخاصة المجانية في جمعية راهبات العائلة المقدسة هلا مرعب تعتبر ان “ما يُحكى عن العبء الذي تمثله المدارس الخاصة المجانية ليس سوى حرب مستمرة على هذه المدارس منذ العام 2015. وفي حين لا تتعدى مساهمة الدولة عن التلميذ الواحد مليون و80 الف ليرة في المدرسة الخاصة الرسمية، تتخطى هذه الكلفة عتبة الـ 5.000.000 ل.ل. في المدرسة الرسمية. اذا كيف تكون المدارس الخاصة المجانية عبئاً على الخزينة العامة؟”.إقفال المدارس ينذر بكارثة

باتت هذه المدارس في وضع اقتصادي مأزوم خصوصاً وانها لم تقبض حتى الساعة المساهمة المالية عن العام الدراسي 2015-2016 واصبحت الضيقة التي تستنزفها تهدد باقفالها وتشريد 116.000 تلميذ لا تستوعبهم المدارس الرسمية ولا يملكون القدرة على دفع اقساط المدارس الخاصة، كما تهدد حياة 6000 عائلة هم أفراد الهيئة التعليمية بالاضافة الى أفراد الهيئة التعليمية في مراحل الروضة (علماً ان المساهمة لا تشملهم) والأجراء.

وتضيف مرعب: “تقوم مدارسنا، التي بغالبيتها تابعة للطوائف الدينية بتطبيق القوانين بحذافيرها، فنحن نسدد كامل متوجباتنا للصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، وصندوق التعويضات اضافة الى الضرائب كافة. الى ذلك ينص القانون 344/2011 على وجوب ان يكون الاستاذ في المدرسة الخاصة المجانية مجازاً ليتمكن من ممارسة مهنة التعليم. اما القانون الصادر في العام 2003 فيستثني الاساتذة الذين استمروا في التعليم طوال 15 عاماً، وان لم يحظوا بشهادة جامعية، الا أن خبرتهم تتيح لهم امكانية مزاولة المهنة في المدارس الخاصة المجانية. هنا لا بدّ من الاشارة الى ان المدارس التي لا تنفّذ هذين القانونين تُحرم من المساهمة المالية”.

في موازنات الاعوام السابقة، كان يتم حجز المساهمة المالية للدولة وفقاً لعدد التلاميذ وقياساً للحد الادنى للأجور. اما موازنة الـ 2019 فنصت على حجز مبلغ من المال على ان يتم توزيعه على المدارس الخاصة المجانية، اي ان قيمة المنحة عن كل تلميذ ستُخفّض نظراً لعدم احتساب قيمة المساهمة عن كل تلميذ، وفقاً للحد الادنى للاجور ولا حتى عدد التلاميذ المستفيدين من المدارس الخاصة المجانية. من شأن هذه الخطوة ان تلغي مجانية عدد كبير من هذه المدارس التي أصبحت على شفير الاقفال.

وتقول مرعب: “هناك حرب قائمة على هذه المدارس. نحن مستعدون ان نقفل ابوابنا ولكن هل الدولة قادرة على تأمين العلم لهؤلاء التلاميذ؟ وفي ما يتعلق بالتلاميذ الوهميين فان وزارة التربية باتت تعتمد على برنامج اللوائح الاسمية. هدف هذا البرنامج هو تسجيل كل المدارس اسماء تلاميذها وارسالها الى الوزارة كي تتأكد من صحتها، اي ان تسجيل تلاميذ وهميين لم يعد ممكناً مع المكننة المعتمدة من قبل الوزارة”.

عشوائية هي الحرب التي تُشنّ على المدارس الخاصة المجانية. فكيف نؤمن بموازنة تركت الأملاك البحرية والنهرية والمعابر غير الشرعية، فيما عجزت عن تأمين 700 دولار لتأمين أحد اهم حقوق كل طفل… التعليم؟! يبدو ان المدارس الخاصة المجانية ترسب لتنجح على أنقاضها كل أنواع الهدر والفساد.