كتبت راجانا حمية في “الاخبار”:
عندما «صاغت» الدولة، قبل أربع سنوات، مرسوم استملاك الأراضي في المناطق المجاورة لمشروع بسري، لم تأخذ في الإعتبار أن ثمة أصحاب أرض، لا «ملاكين». هذا اللغط، مضاف إليه تخميناتها لأسعار الأراضي هناك، جعلها في مواجهة دائمة مع الأهالي الذين يخوضون اليوم معركتين: رفض المشروع ورفض الغبن الذي لحقهم من «التسعير»… ناهيك عن معركة ثالثة مع الحاجز الذي نصبه مجلس الإنماء والإعمار عند «مدخل المشروع» لرصد المعارضين للسدّ والوشاية بهم.
سيمرّ آب، ولن تأكل ماري دومينيك فرحات من مواسم الصيف في أرضها في مرج بسري. هذا العام، لم تستطع فرحات أن تزرع أرضها التي آلت ملكيتها للدولة لتنفيذ مشروع سد المياه. تكتفي، اليوم، بعدّ المواسم التي كانت ستحصدها. أكبرها كان الفريز، وكان آب شهر «جولته» الرابعة. بعده تأتي أكواز الصنوبر، ومواسم أخرى لا تكفّ عن عدّها السيدة الممنوعة من الدخول إلى أرضها اليوم.
كلما مرّ موسم، تحسب «جنى» الأرض الذي ضاع: 450 طناً من الفريز على أربع جولات، و100 كيلوغرام من الصنوبر، وغيرها مما «كنا نزرعه لنأكله طازجاً». كل ذلك «راح». لم يبق إلا بضع صنوبرات «لا نعرف متى يحين موعد اقتلاعها». ففي كل يوم، ثمة من يفقد موسمه تحت «أسنان» الجرافة التي تجوب المرج ذهاباً وإياباً.
ماري دومينيك واحدة ممن لم يبق لهم في المرج سوى البيت الذي يسكنونه بعدما استملكت الدولة «كل الأرض» التي تبلغ مساحتها 135 ألف متر مربّع، بقيمة 40 ألف ليرة للمتر الواحد. أما من بقي «يملك» هناك، حتى يحين موعد التسليم، فيحتاج اليوم الى «جواز عبورٍ» إلى أرضه، بعدما كلّف مجلس الإنماء والإعمار، قبل خمسة أشهر، شركة أمن خاصة «حماية» المشروع. مذّاك، يقول محمد العاكوم، فهم أصحاب الأراضي «ماذا عنت الدولة بالإستملاك». العاكوم كان يملك وعائلته 48 ألف متر مربع في المرج موزّعة على سبعة عقارات. يغصّ عندما يتحدث عن الأرض «التي حميناها بالشبر والندر»، وصار العبور إليها يحتاج اليوم الى «تصريح». ورقة صغيرة هي، بالنسبة للعاكوم، «رمز الذل الذي نتعرض له من الدولة». مع ذلك، كان يحتاج الى تلك الورقة للعبور إلى أرضه ليعيد «كيل الأرض، خصوصاً أن البعض شكا من الكيل غير الدقيق». في «الإعادة»، اكتشف أن كيل الدولة الذي أجري في ستينيات القرن الماضي «طيّر» من أرضه 4 آلاف متر مربّع موزعة على أكثر من عقار.
اليوم، يطالب العاكوم، وعشرات غيره، الدولة بإعادة النظر «بالمشروع من أساسه»، ويتابعون عشرات الشكاوى التي رفعوها أمام القضاء في وجه الدولة، ومن خلفها مجلس الإنماء والإعمار، وبعضها وصل إلى مرحلة الإستئناف. لا يستنفر الناس في وجه الدولة بسبب «سرقة» أراضيهم بتلك الأسعار الزهيدة فقط، وإنما لأنهم يرفضون المشروع من أساسه. وفي «أسبابهم الموجبة» أيضاً، يستند المغبونون إلى «العروضات» التي كان قد ساقها مجلس الإنماء والإعمار للحصول على توقيعهم على استملاك أراضيهم. يوضح العاكوم، مثلاً، أنه عندما وقع على «عرض» الإستملاك، كان على أساس أن «كعب الليمون بـ500 ألف ليرة وكعب الزيتون بمليون ليرة وكعب الصنوبر بما يراوح بين مليون ومليون ونصف مليون ليرة». بعد التوقيع، «بانت النوايا، يللي أرضو بلّان متل اللي أرضو ليمون، التنين أخدوا 40 ألف بالمتر». مع ذلك، يعرف بأنه لن يصل في شكواه إلى نتيجة أكثر من «زيادة 8 آلاف ليرة على المتر»، وهي النتيجة التي انتهت إليها شكوى آخرين. وفي السياق نفسه، ثمة من يتحدّث عن «إيد وإجر» في الأسعار، وعن أسعار «فاقت الـ500 ألف ليرة للمتر في بعض المناطق».
الأهالي مقتنعون بأن قصتهم مع مرسوم الاستملاك لن تصل إلى خواتيم ترضيهم، «كون بعض المراسيم، ومنها مرسوم الإستملاك ليست ذات صيغة رضائية، وإنما تفرضها الدولة»، بحسب المحامي فؤاد الحاج. قناعتهم هذه تزداد يوماً بعد آخر وهم يرون استشراس الدولة في الاصرار على تنفيذ السدّ… استشراس يعبّر عنه «الحاجز» المنصوب عند مدخل المشروع. «في الظاهر، نُصب هذا الحاجز لمراقبة وحماية الأعمال. بعد خمسة أشهرٍ من وجوده هناك، تبيّن أن وظيفته هي الوشاية بالمعارضين لمشروع السد ومنعهم من الدخول إلى المنطقة. وثمة من يربط هذه الوشاية ببعض الإستدعاءات القضائية التي يواجهها البعض. رولان نصور واحد من أبناء المنطقة الذي صار «اسمه» على الحاجز، وممنوع عليه الدخول إلى هناك. مثله «مثل كتار صارت أساميهم على الحاجز»، يقول نصور. وبعده، ستسجّل أسماء أخرى. الحاجز يثير الشعور لدى من لا يزال لديهم بصيص أمل برؤية أراضيهم، بأن هذه تتلاشى من بين أيديهم، وبأن شكاواهم ليست الا تقطيعاً للوقت في انتظار استكمال «تهريبة» السد الذي بات أولوية في «أجندة» مجلس الإنماء والإعمار.