IMLebanon

هل يملك بري «أرنباً» لاحتواء «المُكاسَرة»؟

 

تبدو بيروت وكأنها مُصابة بـ «عمى الألوان» السياسي في ضوء عدم قدرة غالبية الأطراف على تَلَمُّس اتجاهاتِ الأزمة «ما فوق عادية» التي استولدها الاشتباكُ الدامي في «البساتين» (عاليه – 30 يونيو) ولا الجزم بـ«خلفياتها العميقة» سواء «المخطَّط» لها أو تلك التي استجرّتْها التطوراتُ المتوالدة.
وفيما كان يُفْترَض أن تتركّز الأنظارُ على مبادرةٍ جديدة لرئيس البرلمان نبيه بري الذي لم يكن أمامه لتوصيف الواقع الراهن سوى الاستعانة بـ «شوشو» ومسرحيته الشهيرة «آخ يا بلدنا»، فقد بدا أن «هديرَ» التعقيداتِ المُتَدَحْرِجَةِ سَبَقَ محرّكاتِ هذا «الإطفائي» الذي يتم التعاطي مع مساعيه على أنها قد تكون «الخرطوشة الأخيرة» قبل أن تفلت الأزمة من أيدي الجميع.
ولم يكن عادياً أن يخْرجَ الرئيس ميشال عون ليعلن للمرة الأولى «بالفم الملآن» وعبر زواره (صحيفة «النهار») «ان حادث قبرشمون – البساتين» كان مكمناً أُعدّ لوزير الخارجية جبران باسيل وليس لوزير الدولة لشؤون النازحين صالح الغريب (من حزب النائب طلال ارسلان وسقط اثنان من مرافقيه في الاشتباك مع مناصرين للحزب التقدمي الاشتراكي بزعامة وليد جنبلاط)، «استناداً لما كُشف من قريبين منه عن وجود تسجيلات صوتية» عن التعليمات التي أعطيت في ذلك اليوم، ومنها باستعمال السلاح عند الضرورة لمنع موكب باسيل من العبور الى بلدة كفرمتى وأنه «يمكن الوزير الغريب وحده ان يعبر الطريق الى بلدته».
ورغم تَوَقُّف أوساط مطلعة عند أن كلام عون حول «المكمن لباسيل» والتسريبات عن التسجيلات تدحض عملياً رواية إرسلان حول «المخطّط المُعَدّ سلفاً لاغتيال الغريب» والذي على أساسه يصرّ على إحالة الملف على المجلس العدلي، فإنها اعتبرتْ أن الوقْع الفعلي لموقف رئيس الجمهورية يتأتى من أنه كرّس انتقال الصراع في بُعده السياسي القضائي من كونه درزياً – درزياً (بين ارسلان وجنبلاط) ليصبح بين العهد (عون) و«رجُله الأول» (باسيل) وبين زعيم «التقدمي»، مع ما يعنيه ذلك واقعياً من تحوُّل رئيس «التيار الحر» إلى «القفل والمفتاح» في الأزمة ومَخارِجها المُمْكِنة.
وفي رأي هذه الأوساط أن هذه «النقْلة» على«رقعةِ شطرنج» الأزمة يمكن تفسيرها على أنها واحدٌ من أمريْن:
* إما أنها «بدَل عن ضائع» اسمه كسْر جنبلاط – لاعتبارات إقليمية وداخلية – ولم يتم بلوغه عبر«جبهة إرسلان» بعدما نَجَحَ زعيم «التقدمي» في إرساء «تَوازُن سلبي» متكئاً على زعامته الدرزية والتفاف حليفيه معه، رئيس الحكومة سعد الحريري ورئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع، في رفْض استفراده، وهو ما لم يكن بري بعيداً عنه.
* وإما أن فريق عون استشعر بوطأة بروز «معارَضة فعلية» بوجه العهد فاختار النزول «بقضه وقضيضه» في المواجهة، بدءاً من التراجع عن مماشاة بري في الفصل بين المسار القضائي لـ«حادثة البساتين» وعمل مجلس الوزراء، مروراً بـ«الاندفاعة» بوجه رئيس الحكومة عبر «مخاطبته» بالمادة 53 من الدستور للدعوة إلى جلسة لمجلس الوزراء لبحث هذا الملف والتصويت على إحالته على «العدلي» في ما بدا محاولةً لرمي كرة التعطيل في مرمى الحريري، وليس انتهاءً بما اعتُبر محاصَرةً ضمنية لمسعى رئيس البرلمان قبيل انطلاقه شكّلها جعْلُ باسيل «المستهدَف رقم واحد» في الحادثة.
وكان لافتاً أن عون أطلق إشاراتٍ إلى أنه ماضٍ في«المعركة» سواء بإعلانه «أنا صابِر وأنتظر وليتحملوا جميعاً مسؤولية ما يمكن أن يحصل إذا استمر تعطيل المؤسسات»، أو بردّه غير المباشر على التحذيرات من مخاطر مالية كبيرة تترتب على عدم انعقاد الحكومة قبل تقرير وكالة «ستاندرد اند بورز» في 23 أغسطس، إذ وَضَع ما اعتبره حملات المؤسسات النقدية العالمية للتخويف من تصنيف لبنان في سياق «مخطَّط دولي هدفه الضغط على لبنان اقتصادياً ومالياً ومن خلال النازحين السوريين، لفرض توطين الفلسطينيين تحت وطأة وضعه بين خياريْ التوطين أو الانهيار المالي».
وفيما لاحظتْ أوساط أن «حزب الله»، الذي يبدو كمَن يدفع بالمركب من الخلف بمواجهةِ جنبلاط، لم يُطِلق إشارات واضحة، توقّفت عند إعلان بري «اننا نمر بفترة خطيرة جداً نأمل ان نتجاوزها قريباً جداً»، وسط علامات استفهام حول إذا كان ما زال هناك من «أرنب» في جيْبه يتيح بلوغ حلّ في ضوء ارتسام مكاسرةٍ خطيرة عنوانها، إما كسْر جنبلاط أو كسْر باسيل.