كتب خالد ابو شقرا في “نداء الوطن”:
تُجمع مختلف القطاعات الإنتاجية على أن تمويل المشاريع عبر القروض المصرفية أصبح من المستحيلات. ففي صلب أزمة السيولة المتحكمة بالإقتصاد وارتفاع الفوائد المصرفية إلى حدود 14 في المئة، وتراجع قدرة مصرف لبنان على تمويل ودعم القروض مدعومة الفوائد، إنعدمت فرص الإستثمار. وبدأ الخطر يقترب من تعثر، لا بل إفلاس، المؤسسات القائمة، سواء كانت زراعية أم صناعية أم خدماتية. فكان لا بد من وسيلة لإعادة ضخ الرساميل في شرايين المؤسسات بعيداً من أعتاب المصارف. فأطَلقت هيئة الأسواق المالية “المنصة الإلكترونية للتداول”.
قد تكون هذه المنصة أول إهتمامات رئيس هيئة الأسواق المالية، حاكم مصرف لبنان رياض سلامة حالياً. وهو يحرص على ألا يفوّت مؤتمراً صحافياً أو مقابلة من دون ذكر هذه المنصة. ولعل آخرها كان من الصرح البطريركي، في منتدى بكركي الاقتصادي -الاجتماعي الثاني. حيث أعرب عن أمله في ان تبدأ هذه المنصة العمل في الفصل الأول من العام 2020، مع التزام مجموعة بنك عودة وبورصة أثينا Athex Group، اللتين حصلتا على الرخصة، توفير 100 مليون دولار لتأمين السوق السنوية. وبحسب سلامة، فإن “هذه المنصة ستكون سنداً أساسياً للقطاع الخاص اللبناني في ظل انخفاض التسليف من القطاع المصرفي”.
خلق فرص العمل
منصة التداول هي بورصة، لكن إلكترونية. واهميتها تكمن في أن المؤسسات التي تديرها تخلق ما يعرف بـ Market maker والذي يلعب دور المحرك لمنع جمود السوق والمحافظة على السيولة، كأن يعمد إلى شراء الأسهم الصادرة عن الشركات منعاً لتأخير عملية البيع. و”في المبدأ، فإن الهدف الاساسي من هذه المنصة هو تمويل الإستثمارات الجديدة، وتوسيع القائمة، برأسمال أرخص من القروض المصرفية، وهو ما يساعد في تكبير حجم الاعمال وخلق فرص عمل جديدة”، يقول عضو هيئة الأسواق المالية سامي صليبا. ويضيف “أن الفكرة تلاقي استحساناً عند الشركات اللبنانية المتعطشة إلى التمويل، ودعماً من المتمولين المغتربين”.التحديات ثقافية
صحيح أن المنصة الإلكترونية للتداول تشكل وفق معظم أصحاب المؤسسات ورواد الإعمال فرصة حقيقية للتمويل والشراكة، إلا انها تمثل من الجانب الآخر تحدياً جدياً. فهي تتطلب أن تكون الشركة “مغفلة” ويحق لها إصدار الاسهم، فيما 95 في المئة من الشركات اللبنانية تصنف صغيرة ومتوسطة، وفي معظمها تعتبر شركات عائلية ما زالت بعيدة عن ثقافة إصدار الأسهم والتداول بها. وهو ما يتطلب بحسب رئيس غرفة التجارة والصناعة والزراعة في طرابلس والشمال توفيق دبوسي، بعض الوقت، ويقول: “إن هذه الخطوة بمثابة ضوء في العتمة، وهي تفتح الباب لشراكاتٍ جدية مع الداخل والخارج، وفي المحصّلة تصب في خدمة الإقتصاد قبل مصلحة الشركات نفسها. لكن يشترط بهذه الخطوة أن تواكب من المؤسسات بإجراءاتٍ قانونية وتوعوية، خصوصاً عندما لا تتوفر عندهم معرفة طرق التداول عبر المنصات الإلكترونية وغير الإلكترونية. وفي النهاية ليس من المستحيل على رجل الأعمال اللبناني المشهود له بالمبادرة والطموح فهم آليتها والعمل بها لصالح تطوير أعماله”.
أهمّية المنصّة
بالإضافة إلى إمكانية إدراج كل الأدوات المالية القابلة للتداول على هذه المنصة، فانها تفسح المجال أمام دخول الشركات الناشئة، وتساهم من خلال تمويل الإقتصاد من الأسواق العالمية بزيادة التدفقات المالية بوقت سريع وتوزيع المخاطر.
“المنصة الإلكترونية للتداول” وسيلة غير كافية، صحيح! ولكن إن نجحت فقد تشكل خطوة نحو تطوير الأسواق المالية. فتنويع مصادر التمويل أصبح أولوية على الصعيد الوطني، خاصة مع إنحسار قدرة المصارف اللبنانية على تأمين التسليفات إلى أعلى درجة تحت ضغط عجز الخزينة، وتراكم الدين العام. وليس خافياً على احد القيود الاخيرة التي فرضت على المصارف وعملائها نتيجة أزمة السيولة الراهنة (راجع موضوع “الضغوطات على قطاع الإنتاج من كل حدب وصوب”، صفحة 7).
يبقى من حسنات هذه المنصة قدرتها على التمويل من خلال الإكتتاب في رأسمال الشركات، وليس فقط من خلال الإستدانة. هذا بحد ذاته يشكل إصلاحاً هيكلياً في إقتصاد كثير المديونية (over leveraged )، ومساعداً على مأسسة الشركات اللبنانية وامتثالها لقواعد الحوكمة الرشيدة.