في منحى تصاعدي محموم وغير مسبوق يتجه نزاع البساتين المستعر، الذي بلغ ذروته في الساعات الاخيرة وانحرف عن مساره الاساسي، الذي انطلق منه اشتراكي – ديموقراطي الى آخر اشدّ خطورة اشتراكي- رئاسي في ضوء ما تضمنه مؤتمر الحزب الناري امس من اتهامات لفريق رئيس الجمهورية ميشال عون، لاسيما ما يتصل منها بالحديث عن وزيري عدل، واحد معلن والثاني مضمر، يعرّف عن نفسه في تدخّله مع القضاة أنه وزير القصر ويتحدث باسم الرئيس عون، ويطلب تنفيذ مناقلات وإجراءات، مقابل الوعود بمكافآت، وعن تهديدات للقضاة الذين لا يمتثلون، كما جاء على لسان وزير الصناعة وائل ابو فاعور، فالى اين يتجه جنبلاط في معركته المفتوحة الهادفة الى محاصرته وتطويقه تمهيدا لخنقه؟ وما الحد الممكن ان تبلغه المواجهة الشرسة التي تضع البلاد برمتها على كف عفريت؟
وهل يملك الاسلحة السياسية الكافية والكفيلة بصد الهجوم الذي تشنه قوى الثامن من آذار، خصوصا في ضوء اصطفاف حلفاء الامس، رئيس الحكومة سعد الحريري الملتزم الصمت كلاميا والشديد الفاعلية اجرائياً برفض ادراج بند احالة القضية الى المجلس العدلي على جدول اعمال مجلس الوزراء وعدم توجيه الدعوة لانعقاده الا بعد انجاز التسوية، ورئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع الذي اعلن صراحة مساندة قضيته وحذر من تكرار سيناريو “سيدة النجاة”، متمنيا على رئيس الجمهورية التدخل لانقاذ عهده قبل فوات الاوان، ورئيس مجلس النواب نبيه بري ليس بعيدا من جنبلاط ايضا؟
عناصر القوة الداخلية مجتمعة التي يتحصّن خلفها الزعيم الاشتراكي، صحيح انها تفعل فعلها في مجال التأثير في موازين القوى عملياّ، غير انها تبقى غير كافية لصدّ هجوم مركز من هذا النوع عليه، تقول مصادر سياسية متابعة لـ”المركزية”. فالرجل المعروف بحنكته السياسية وقدرته على حماية بيئته الدرزية وزعامته الاشتراكية، و”أنفه الذي لا يخطئ”، لا بد يستند الى ما هو اصلب هذه المرة على الارجح، فهو تراجع مرارا في محطات سابقة ليس آخرها احداث 7 ايار حينما هادن حزب الله ليبعد النيران عن الجبل المجتمع حوله راهنا، لكن آنذاك كانت الظروف مختلفة، تضيف المصادر. اما اليوم، فالمعادلات تبدلت والظروف تغيّرت وما كان ساريا في العام 2008 لم يعد كذلك.
ثمة من يراهن على ان جنبلاط يرتكز في انتفاضته في وجه مستهدِفيه الى حجر زاوية يؤمن له بناء صلباً ويكفل عدم سقوطه في الامتحان الوجودي. هذا الحجر، هو على الارجح خارجي، عبارة عن معطيات تلمّسها من لقاءاته الدبلوماسية واتصالاته الدولية وحركة موفديه الى الخارج، يعتبر انها ستفضي في النهاية الى تغيير في موازين القوى الاقليمية لا بد ان ينعكس على الواقع اللبناني الداخلي ويرجح كفة المحور الذي ينتمي اليه جنبلاط قلبا وقالباً.
هذا المناخ يلاقيه فيه الدكتور جعجع الذي قال لـ”المركزية” أمس، “لا ارى انتهاء الازمة الاقليمية – الدولية دون تغيير في موازين القوى سينعكس حكما وفي الدرجة الاولى على لبنان ليفتح طريق قيام الدولة حيث لا قرار ولا سلطة الا للدولة”. ومروحة مؤيدي هذه الرؤية السياسية تتوسع باضطراد رهانا على رياح التغيير التي ستلفح لبنان، في وقت لم يعد بعيدا كما يتوقعون، وما تصعيد المحور المناهض ولجؤوه الى “فبركة” الملفات، كما في ايام الوصاية السورية سوى نتيجة استشعار وضعه المأزوم وفقدان اوراق قوته الواحدة تلو الاخرى ومحاولة انقاذ نفسه في اللحظات الاخيرة.
من هذا المنطلق، تعتبر المصادر، ان جنبلاط يستمد قوته وان رئيس مجلس النواب نبيه بري الذي ذهب بعيدا ولو من خلف الكواليس في مساندته، خصوصا بعدما تحولت المواجهة الاشتراكية في اتجاه قصر بعبدا وسيده الذي نقل عن بري اليوم قوله انه مستاء مما قاله الرئيس عون، ولو ان مصادر عين التينة نفته لاحقا، ربما يشتّم رائحة التحولات المقبلة، وهو للغاية يترك هامش حرية لنفسه بعيدا من الانغماس في المحاور.