كتبت كلير شكر في صحيفة “نداء الوطن”:
“استدعت” لجنة الاعلام والاتصالات النيابية وزير الاتصالات محمد شقير لتسأله عن ظروف وحيثيات عملية شراء مبنى شركة “تاتش” بكلفة بلغت 75 مليون دولار، فيما يحاول ديوان المحاسبة البتّ في صلاحية الوزير في التحكم بورقة “اللوتو” هذه. لكنّ اللبنانيين، كما سياسييهم، يدركون جيداً أنّ ما كُتب قد كتب.
عملية الشراء صارت وراءنا، ووضع “صاحب المبنى” نبيل كرم الدفعة الأولى من قيمة المبلغ المتفق عليه، في جيبه، وينتظر أن تقوم الشركة بتسديد باقي المبلغ على ثلاث دفعات.
ومع ذلك، قررت لجنة الاتصالات إثارة القضية من ألفها إلى يائها، حيث بدت جلسة الأمس وكأنها “تحمية” لجلسات أيلول المنتظرة. اذ يفترض أنّ اللجنة بصدد تحضير ملف دسم يتصل بشكل خاص بعمل الشركتين المشغلتين لقطاع الخلوي، وستعقد أكثر من جلسة مطولة بدءاً من الثاني من أيلول المقبل لتشريح كل جوانب هذا الملف.
فجأة انتبه النواب أنّ القطاع الخلوي أشبه بـ”بئر نفط” يتحكم به عدد محدد من الاشخاص، وتحديداً إدارتا الشركتين، ووزير الاتصالات. وفق العقد الموقع بين الدولة والشركتين، تضع الأخيرتان أيديهما على “كنز” من الأموال المحصلة، تحت عنوان مصاريف تشغيلية واستثمارية، يتمّ التصرف بها وفق رغبات وزير الاتصالات وإدارتي الشركتين.
بالتفصيل، يقول أحد أعضاء اللجنة إنّه بنتيجة نقاشات لجنة المال والموازنة تبيّن أنّه خلال السنوات العشر الأخيرة حققت الشركتان أرباحاً صافية تقدر بنحو 14.5 مليار دولار، وحولت منها نحو 10 مليارات دولار إلى الخزينة العامة فيما أبقت في “خزائنها” نحو 4.5 مليارات تحت عنوان مصاريف تشغيلية وتطويرية واستثمارية لتحسين الشبكات. ولهذا سيشمّر النواب عن سواعدهم لسؤال الشركتين: أين المليارات الأربعة “الضائعة” في ظل خدمات قد تكون الأسوأ في العالم؟
ولهذا، بدت قضية شراء مبنى “تاتش” أشبه بـ”نقطة” في بحر المليارات التي تصرفها الشركتان يمنة ويسرة، مع العلم أنّ الوزير شقير قدّم مطالعة دفاعية حاول من خلالها الإثبات أنّ ما قام به كان أفضل الحلول المتاحة، نظراً لأنّ عقد الإيجار الموقع بين الشركة وصاحب المبنى كان بمثابة “فخّ شرعي” أوقِعت فيه المالية العامة عن “سابق تصميم”.
شرح شقير أنّه ليس مسؤولاً عن عقد الايجار وقد تعامل معه كأمر واقع. وكان عليه أن يختار بين السيئ والأسوأ منه. إذ تبلغ كلفة العقد الموقع على عشر سنوات، 6,4 ملايين دولار سنوياً، وسبق للشركة أن دفعت حوالى 24 مليون دولار كمصاريف إضافية. كما أنّ العقد يتضمن بنداً جزائياً يقضي أن تدفع الشركة بدل العشر سنوات في حال قررت كسر الاتفاق.
ولذا كانت مروحة الخيارات المتاحة أمام الوزير تتراوح بين إبقاء الوضع على ما هو عليه بكلفته الباهظة، او المباشرة في تشييد مبنى جديد وبالتالي تجديد العقد بانتظار الانتهاء من التشييد، وإما شراء المبنى الذي صارت كلفته أكثر من 100 مليون دولار إذا ما احتسبنا التجهيزات وغيرها من المصاريف المدفوعة.
بالنسبة للوزير يكمن “إنجازه” في تقسيط المبلغ وتملّك المبنى بتكاليف الإيجار نفسها تقريباً، فيما عين الرقابة البرلمانية تتجه نحو الوزير السابق جمال الجراح الذي صيغ عقد الإيجار على أيامه وبموافقته.
أما مساءلة الوزير الحالي فتتمحور حول مبادرته إلى التصرف بهذا المبلغ من دون العودة إلى مجلس الوزراء، وهذا ما ركّز عليه النواب في جلستهم أمس، حيث كان رده أنّه تحدث مع رئيس الحكومة سعد الحريري خلال مرحلة المفاوضات الذي أبلغه بالحرف الواحد go for it، كما تطرق إلى المسألة مع وزير المال علي حسن خليل أكثر من مرة، إلا أنّ الأخير سارع إلى اصدار بيان نفى فيه هذا الأمر وتحدى شقير “إبراز أي مستند أو كتاب لإبلاغنا وموافقتنا”.
وقد شهد هذا الجانب جولة موسعة من أسئلة النواب الذين سألوا عن حدود صلاحية الوزير حيث يقول أحد النواب المعارضين إنّه لا يمكن لوزير أن يصرف 100 مليون دولار “بشحطة قلم” من دون العودة إلى مجلس الوزراء. وكان ردّ شقير أنّ تعليق عمل مجلس الوزراء هو الذي دفعه إلى المبادرة كونه كان مضطراً لحسم القرار.
ومع ذلك، يقول أحد النواب المتابعين لهذا الملف إنّ حدود صلاحيات وزير الاتصالات منصوص عليها في إطار العقد، ومفادها أن الشركة ملزمة بأخذ موافقة الوزير على كل نفقة تتجاوز قيمتها الخمسة آلاف دولار، وأن الوزير بدوره ملزم بعرض جميع مشاريع النفقات التشغيلية واﻹستثمارية على لجنة متخصصة تدعى “لجنة اﻹستثمارات في الخلوي”Mobile Capex Committee. ومهمتها دراسة المواضيع المطلوبة وقيمة الإنفاق المقترح والأسعار والعارضين ومدى المنافسة والشركات العارضة ومدى الحاجة للإنفاق في هذه الوجهة، وعرض الموضوع على لجنة مشتريات مشتركة، ثم إعداد تقرير بذلك يتضمن توصيات ترفع للوزير للعمل بموجبها.
ويؤكد المعارضون لصفقة “تاتش” أنّ كلاً من وزير اﻻتصاﻻت الحالي والوزير السابق لم يحترما هذه اﻵلية، آخذين على الوزير الحالي أنه حتى لم يجتمع مع هذه اللجنة.
أما الشق الثاني من النقاشات والمتصل بهوية المالكين الحقيقيين للمبنى فتولاه النائب جميل السيد الذي أبرز وثائق تثبت وجود طرف ثالث هو المالك الفعلي للمبنى. كما طالب بـ”تشكيل لجنة تحقيق برلمانية للتحقيق بالملف”. بينما لفت رئيس لجنة الاتصالات النائب حسين الحاج حسن بعد اجتماع اللجنة إلى أنّ “المشكلة الأساس في هذا الموضوع أنه لم يجر الاعلان عن الحاجة إلى استئجار مبنى جديد للشركة وهذه أهم نقطة في هذا الملف”.
وسأل “لماذا الاستئجار في سوليدير وهي أغلى منطقة في لبنان، وهناك مراسلات بين “تاتش” ووزارة الاتصالات لم تمر على هيئة الدفاع عن المالكين. هذه المراسلات تظهر أنّ “تاتش” أجبرت من قبل الوزارة على استئجار المبنى في سوليدير”.