كتب طوني عيسى في صحيفة “الجمهورية”:
في عالم الاستثمار، عندما تهبط البورصة إلى الحضيض تحين اللحظة للشراء. المعادلة تُطبَّق في السياسة أيضاً. وهكذا، بذهنية رجل الأعمال حاول الرئيس فؤاد السنيورة أن يستثمر اليوم بابتكار سياسي يحمل عنوان: «مجلس الحكماء». ولكن، هل مناخ البورصة ملائم لإنجاح الصفقة؟
كان الرئيس فؤاد السنيورة يدرك أنّ معظم الذين دعاهم إلى منزله، بعد ظهر الأربعاء الفائت للبحث في إنشاء «مجلس حكماء» للبلد، لن يحضروا. فهو لمس من غالبيتهم تحفظاً عن الفكرة منذ اللحظة الأولى. وتبلّغ من بعضهم أنهم لم يقتنعوا بها، لأنها ليست ناضجة ولن تؤدي الهدف المعلن منها، أي حماية الطائف.
لكنه لم يُلغِ الدعوة. واستبق الفشل في تأمين حضور العدد الكافي من المدعوين، بإعلان أنّ الهدف من دعوته هو إجراء تقويم للعدد صفر من «مرصد الطائف»، وهي مجلة ستُعنى بشؤون هذا الاتفاق ومدى إلتزام تنفيذه. علماً أنّ بعض المدعوين كان قد تبلَّغ أن السنيورة في صدد التحضير لإصدار بيان سياسي في نهاية اللقاء، يكون بمثابة إعلان تأسيس «مجلس الحكماء».
هذا الإطار يفترض أن يضمّ رؤساء الجمهورية والمجلس النيابي والحكومة السابقين، وبعض الشخصيات غير الحزبية التي ساهمت في وضع اتفاق الطائف، أو تلك التي تتمتع بقدرات في مجال الحقوق والفكر السياسي وقيادة الرأي العام.
والفكرة أرادها السنيورة تطويراً للحراك الذي بدأه رؤساء الحكومة السابقون، قبل عام، خلال أزمة تأليف الحكومة، ويُستكمل اليوم. فمن الأفضل للقوى السنّية أن تخوض معركتها ضمن مرجعية متنوعة طائفياً، لتأتي النتائج أفضل.
وفي التموضع السياسي، رؤساء الجمهورية السابقون (باستثناء الرئيس إميل لحود لأنه من خط 8 آذار) ورؤساء المجلس النيابي السابقون (الرئيس حسين الحسيني) والشخصيات الأخرى، هم في مساحةٍ تُراوح ما بين 14 آذار والوسط.
تبيَّن أنّ غالبية المعنيين بدعوة السنيورة لم يقتنعوا بها أو رأوا أنّها غير ناضجة وعديمة الفائدة سياسياً، وأنّها قد تؤدي إلى إرباكات إضافية في الحركة السياسية. وفي تقدير مصادر متابعة أنّ هناك نقاطاً عدة تدفع هؤلاء إلى الرفض والتحفظ، تُختصر بالآتي:
1- في لحظة سياسية ساخنة تستدعي دينامية استثنائية، سيؤدي إنشاء «مجلس الحكماء» إلى نتيجة معاكسة، أي إلى تكبيل حركة العديد من الأقطاب. وبسبب اتساع هذا المجلس (الشخصيات التي دعاها السنيورة إلى اللقاء قاربت الـ 25)، لن تكون هناك آليات لتوحيد القرارات أو التوصيات، ما يؤدي إلى إصابة الجميع بنكسة.
2- إن مصطلح «مجلس الحكماء» يؤشّر إلى أنّ أعضاءه هم من المتقاعدين الموضوعين خارج الخدمة السياسية. وهذا ليس مناسباً لبعض القوى السياسية، ولا ترتضيه.
مثلاً، الرئيس نجيب ميقاتي رئيس كتلة نيابية من 4 مقاعد وهو على تماس مع الكتل السياسية الأخرى وحاضِرٌ مع رؤساء الحكومات السابقين، وسيجد أنه ليس مضطراً إلى التقيّد بإطار يكبّله سياسياً. وكذلك، لدى الرئيس تمام سلام انطباع مماثل. وأساساً هو لم يخرج من دائرة التحالف مع «المستقبل». ولذلك، فالرجلان ليسا متحمسين لدعوة السنيورة.
3- هناك حسابات دقيقة لا بدّ من أن يجريها المدعوون غير السنّة إلى الانضواء في هذا المجلس، كالرؤساء أمين الجميل وميشال سليمان وحسين الحسيني والشخصيات الأخرى. فليس مؤكّداً أنّ كلاً منهم يلتقي في حساباته مع الآخر. وأي فائدة ستكون لهذا المجلس إذا كانت تتضارب الحسابات بين «حكمائه»؟ وحتى النائبان السابقان بطرس حرب وفارس سعيد اعتذرا عن الحضور.
4- يتعامل «المستقبل» مع طرح السنيورة بتحفظ أيضاً. فالعنوان المطروح، أي الدفاع عن الطائف، يدعمه في وجه الرئيس ميشال عون وفريقه السياسي، لكن الرئيس سعد الحريري يتحفظ إزاء قيام مرجعية متعددة الرؤوس قد تصبح لاحقاً عبئاً عليه، أو أن تزايد عليه في الدفاع عن الطائف والصلاحيات والممارسة الدستورية. ويُفترض أن يترأس الحريري اليوم اجتماعاً لكتلته النيابية للبحث في مجمل جوانب الأزمة الحكومية ومفهومه للطائف.
5- لا يخلو الأمر من حساسيات سياسية وشخصية بين السنيورة – الذي لم يعد جزءاً من «المستقبل»- وسائر القوى السنّية. فهناك تنافس «في الكار»، ولكن هناك أيضاً رغبة مؤكّدة لدى العديد من القوى في التموضع في الوسط لا الانجراف في الخط الذي يريده السنيورة، أي أقصى 14 آذار. ويقول أحد المرشحين ليكون «حكيماً» في مجلس السنيورة : «فليعذرنا دولته، لم نقتنع بفكرته ولا بجدواها. والأفضل أن نبحث عن أفكار للحل أكثر واقعية وقابلية للتنفيذ».
والأرجح أنّ السنيورة نفسه اقتنع بأنّ «مجلس الحكماء» مات قبل أن يولد. وعلى الأرجح، سيوقف اتصالاته في هذا الاتجاه ويستأنف جهده «المعتاد» في إطار رؤساء الحكومة السابقين، فهو أقلّ إثارة للإحراج وللعداوات الشخصية والسياسية.