Site icon IMLebanon

ماذا لو خُفّض تصنيف لبنان الائتماني؟

كتبت إيفون أنور صعيبي في صحيفة “نداء الوطن”:

يترقب لبنان بقلق تقرير “Standard and Poor’s” لمعرفة مصير تصنيفه الائتماني. وان صحّ السيناريو المتوقع، كيف ستكون النتائج بدءاً من الزيادة على كلفة الدين، مروراً برفع الفوائد وازدياد المخاطر، وصولاً الى التدابير التي ستتخذها المصارف والمتمثلة بلجوئها الى المؤونات، وهي إجراءات الحيطة التي من المؤكد انها ستؤثر اما على هامش ربحيتها او على زيادة رأس المال؟

تتخوّف المصارف الخاصة من انعكاس تخفيض التصنيف على اسعار سندات الخزينة التي تملك حوالى 73% منها. فان انخفض التصنيف، انخفضت معه قيمة اليوروبوندز وتكبدت بالتالي المصارف خسائر غير متوقعة. في ظل هذه الاجواء، يبقى السؤال الابرز من أين ستأتي برؤوس المال في ظل تدهور الثقة بلبنان، وعجز ميزان المدفوعات وهروب الرساميل؟

قد تتجاوز المؤونات كفاية رأس المال نظراً الى الموجودات المثقلة بأوزان المخاطر كما وإلى مخاطر التشغيل ومخاطر السوق. من هذا المنطلق اتخذ مصرف لبنان من خلال هندساته المالية الاخيرة التي أجراها الشهر الماضي تدبيراً احترازياً تمثل بعدم جعل الارباح المتأتية من الهندسات ضمن موازنة المصارف السنوية بل جعلها تحتسبها من ضمن بند الاحتياطات، أي في أموال المصارف الخاصة وتحديداً رؤوس أموالها. ففي الاعوام السابقة كانت الارباح الناجمة عن الهندسات المالية تستخدم في إطفاء خسائر ميزانيات البنوك الرازحة تحت وطأة صعوبات جديّة، أو كأرباح مؤجّلة. وهذا ما لم يحصل في العمليّة الاخيرة. وقد اتُّخذت إجراءات احترازية لسلامة الوضع المصرفي في هذه المرحلة لا سيما على صعيد المؤونات العامة، وما يماثلها، وخصوصاً أنها تدخل في رأسمال المصرف الأساسي وفي الوقت عينه تشكل المخاطر على الديون. فإذا ابتعدت محافظ التسليفات والقروض عن المخاطر، تكون المؤونات قد زادت من مستوى الأموال الخاصة، وبالتالي كفاية رأس المال.

على مدى ثلاثة اعوام متتالية وتحديداً منذ العام 2016، قدّم مصرف لبنان هندسات مالية وأقام عمليّات خاصّة مع المصارف التجارية. حجّته لهذه الخطوة كانت الحاجة الى ازالة الضغوط التي تتعرّض لها الليرة غير أنه حقّق للبنوك أرباحاً مجانية فورية ومن دون أي مقابل. قام البنك المركزي في كلّ عملية هندسة ببدل الدولار بالليرة بفوارق مرتفعة وبهذه الطريقة حقّقت المصارف ارباحاً بلا أي عناء.

عن الموضوع، يرى الخبير في الاسواق المالية دان قزي ان”الهندسات المالية الاخيرة لم تسجل ارباحاً فورية على غرار ما كان يحصل في الاعوام السابقة بل انها وُضعت من ضمن الاحتياطي لدى المصارف، وقد سعى المركزي الى التحضّر لمواجهة اي تخفيض ائتماني مرتقب من خلال هذه الخطوة نظراً للحاجة الاضافية الى رأس المال التي ستطرأ في حال قامت Standard and Poor’s” بتخفيض تصنيف لبنان الائتماني”.

ويضيف قزي: “ان خُفّض التصنيف سيواجه لبنان صعوبات لناحية معاملاته التجارية في الخارج. لكن وحتى الساعة ورغم كلّ ما يُشاع لا نزال نجهل ان كانت الوكالات العالمية تميل حقاً نحو تخفيض التصنيف الائتماني”.

“يتّجه المركزي احترازياً الى ضخّ المزيد من رأس المال ايضاً بسبب ارتفاع نسب الديون المشكوك في تحصيلها الى مستويات غير مسبوقة”، يقول قزي الذي يضيف: “يرتبط مستوى التصنيف عادة بمعدلات الفائدة، فالتصنيف الأدنى يعني فائدة أعلى، لأن مخاطر الدين تصبح أكبر. هذا يعني أن السندات الجديدة التي سيصدرها لبنان من الآن فصاعداً ستكون بفائدة أعلى علماً ان الفوائد التي كنا نستدين بناء عليها لم تكن يوماً ملائمة لنا”.

يمكن اختصار الواقع التصنيفي نظراً لتبعيّته للحالة النقدية ومن خلالها المالية – الاقتصادية لذا فان كان وضع المالية العامة مترهلاً فإن التصنيف سيكون منخفضاً. غير ان المشكلة الاساسية لخفض التصنيف تتمثل “بالتوقيت”. فمصرف لبنان الذي يحاول من دون توقف شراء الوقت ولو بأكلاف باهظة قد يفشل هذه المرة خصوصاً وان الحكومة تتحضر لاصدار سندات خزينة جديدة بمستويات فائدة أعلى، ما سيؤدي إلى ارتفاع خدمة الدين العام بشكل كبير. هذا ويسبب ارتفاع الفوائد على سندات الخزينة انخفاض اسعار هذه الاخيرة، كما والى ارتفاع في الفوائد المصرفية عموماً، سواء على الودائع أو على القروض. بموازاة ذلك، وإذا فقد أصحاب الودائع ثقتهم بالقطاع المصرفي جراء خفض التصنيف وبدأوا بسحب اموالهم، عندها لن تجد البنوك ما تقرضه للدولة…

يمكن تشبيه لبنان حالياً كسفينة تبحر وسط عاصفة هوجاء تحاصرها من كل صوب. اما القبطان، فغائب عن غرفة التحكّم!