كتب مصطفى علوش في صحيفة “نداء الوطن”:
“دع عنك لومي فإن اللوم إغراء… وداوني بالتي كانت هي الداء” – أبو نواس. ظهر مصطلح “متلازمة ستوكهولم” منذ أربعين عاماً، وذلك مع انتهاء حصار استمر ستة أيام على أحد البنوك.
غالباً ما يجري ربط هذا المصطلح بما حدث لباتي هيرست، إبنة أحد الأثرياء من كاليفورنيا، والتي كان قد اختطفها بعض المسلحين الثوريين العام 1974، لتبدي تعاطفاً مع مختطفيها وتشاركهم في إحدى عمليات السطو، قبل أن ينتهي بها الأمر لأن يتم إلقاء القبض عليها ويحكم عليها بالسجن. محامي الدفاع عن هيرست قال إنها كانت تعاني مما يعرف بمتلازمة ستوكهولم، وهو المصطلح العلمي لتفسير المشاعر غير المنطقية التي يشعر بها المختطَفون تجاه مختطِفيهم.
ولكن ما دخل ستوكهولم في القضية؟
في الثالث والعشرين من آب العام 1973، احتُجز أربعة أشخاص داخل بنك في ستوكهولم عاصمة السويد من قبل سجناء سابقين. وبعد انتهاء ذلك الاحتجاز، بدا على المخطوفين أنهم قد بنوا علاقة إيجابية مع الخاطفين.
من هنا نشأت فكرة متلازمة ستوكهولم بعد أن وضع علماء النفس المتخصصون بعلاج ما بعد الصدمات معايير المتلازمة كما يلي: “في البداية، يتعرض الناس فجأة لشيء يحدث رعباً في نفوسهم، مما يجعلهم متأكدين من أنهم على مشارف الموت. ثم يمرون بعد ذلك بمرحلة يكونون فيها كالأطفال غير قادرين على الأكل أو الكلام أو حتى الذهاب لقضاء الحاجة من دون الحصول على إذن. بعدها يقوم المختطف ببعض الأعمال الطيبة تجاه المخطوفين، كتقديم الطعام لهم، من شأنه أن يحفز لديهم شعوراً بالامتنان لمنحهم الحياة. يتكوّن عندها لدى الرهائن شعور إيجابي قوي أصيل تجاه خاطفهم، يرفضون من خلاله أن يكون ذلك الشخص هو من عرّضهم لذلك الموقف، ويتأصل لديهم شعور بأنه هو الشخص الذي سيمنحهم الفرصة للعيش”.
يؤكّد معظم علماء النفس أن هذه المتلازمة حالة نادرة جداً في عالم الإجرام والإرهاب، ويقول البعض إن الحالة قد تؤدّي أحياناً إلى نوع من التعاطف من قبل الخاطف تجاه ضحاياه مما يمنعه من أذيتهم.
السابع من آب هو ذكرى ليوم قمعي التصقت بصور ما كابده اللبنانيون من خلال اختطاف النظام السوري للبنان، بالتعاون مع عهد اميل لحود. في ذاك اليوم بطش رجال النظام الامني بمئات الناشطين من التيارات والقوى السيادية من “التيار الوطني الحر” و”القوات اللبنانية” و”الوطنيون الأحرار” من الناشطين غير الحزبيين امام المجلس العدلي. ثم استكملت الحملة باعتقالات حيث ارتفع عدد المعتقلين الى المئات. جرى ذلك على خلفية الزيارة التاريخية التي قام بها البطريرك التاريخي للاستقلال اللبناني الحديث الكاردينال مار نصرالله بطرس صفير إلى الجبل مطلقاً شعلة الانتفاضة من خلال النداء الأول السيادي للمطارنة الموارنة الشهير العام 2000.
ماذا يعني كل ذلك؟ بالمختصر هو أن الإنتفاضة بدأت بزيارة البطريرك إلى الجبل بالتواطؤ مع وليد جنبلاط، الذي كان واعياً تماماً أن تلك المبادرة ستثير حنق النظام السوري، الذي بنى وجوده في لبنان على أساس أن اللبنانيين بقبائلهم الطائفية سيبقون بحاجة للرعاية من قبل منظومة هي وحدها القادرة على إدارة شؤونهم. لكن الشراكة بين وليد جنبلاط والبطريرك كانت الإنطلاقة الحقيقية لمسار تراكمي أدى إلى دخول قوى أخرى فيه، أسست لانتفاضة الإستقلال في الرابع عشر من آذار، التي لم تكن لولا انضمام الرئيس الشهيد رفيق الحريري إلى ركب المطالبين بالسيادة، والتي دفع بالمحصلة حياته ثمناً لموقفه.
ما دخل متلازمة ستوكهولم بكل هذا؟ الواقع هو أننا متفقون مع محازبي “التيار الوطني الحر” بأن السابع من آب هو إحدى المحطات الكبرى في المسار الإستقلالي اللبناني، وأن المختطف هو بالأساس النظام السوري الذي ما زال رأسه موجوداً في سوريا اليوم.
لكن ما هو غير مفهوم يستند إلى قيام أركان “التيار” البرتقالي باستهداف كل الرموز التي ساهمت بالفعل في فك أسر لبنان من الخاطف السوري.
فمن ناحية المثلث الرحمة البطريرك صفير، لم يتوان البرتقاليون عن الإساءة إليه حتى بعد وفاته، ووليد جنبلاط اليوم يتعرض لحملة شرسة لتحجيمه وضرب زعامته من قبل أركان “التيار”. ورفيق الحريري الذي دفع حياته ثمناً للسيادة، تحول إلى “فقيد العائلة” وتياره إلى “سارق الحقوق”. لكن الأخطر، هو أن الإستفزاز المتكرر لزعيم “التيار الوطني الحر” في الجبل والشمال، وخطاباته الشعبوية، والتعاون المريب مع النظام السوري في التصريحات والمواقف، تدعو كلها إلى الشك أن قيادة “التيار الوطني الحر” واقعة تحت تأثير متلازمة ستوكهولم. فالجو الطائفي الذي يتفنن بإذكائه زعيم “التيار الوطني الحر” يوحي بالحنين إلى زمن الوصاية يوم كان الوفاق يفرض بناء لتوجيه المخابرات السورية، واستهداف رموز معادية للنظام السوري يوحي بأن تيار الرئيس يقوم بما لا يمكنه هذا النظام القيام به إلا بتعاون مع حليف نافذ داخلي. والأهم هو أن حلفاء “التيار الوطني الحر” اليوم، هم بأكثريتهم الساحقة من أتباع أو حلفاء النظام السوري.