كتبت غادة حلاوي في صحيفة “نداء الوطن”:
التصعيد الذي شهدناه في اليومين الأخيرين بين مختلف الأطراف السياسية أوحى بأن الحلّ بات مستعصياً في ظلّ رفع الجميع سقف المواجهة. من بيان السفارة الأميركية، مروراً بإعلان رئيس مجلس النواب نبيه بري أنه لن يقدم أي مبادرة جديدة، وليس انتهاء بتصريحات الزعيم وليد جنبلاط ضد الرئيس ميشال عون ما وصفه البعض بـ”التصعيد الكبير ضد رئيس الجمهورية”. هي مطبّات اللحظات الأخيرة التي أفضت في النهاية إلى لقاء في قصر بعبدا اختلفت التسميات في شأنه: مصارحة أم مصالحة. في الحالتين، الوصول إلى هذه الخاتمة لا يعفي من السؤال عن المطبات الكثيرة التي وضعت لإعاقة التوصل إلى حلّ في واحد من أقسى الظروف التي يمرّ بها البلد، وعن المرحلة الثانية المتعلقة بالمصالحة بين “حزب الله” وجنبلاط؟
لطالما شكلت الخصومة السياسية بين الطرفين عامل قلق لكليهما. بعد لقاء المصالحة الذي عقده بري بين جنبلاط والحريري، فاتح “حزب الله” بلقاء مع “الاشتراكي”. كان ملف قبرشمون يزداد تعقيداً، سبقه الخلاف على معمل عين دارة، عاملان دفعا “حزب الله” إلى التريث.
بالنسبة إلى الحزب لم تكن المشكلة يوماً عند النائب طلال أرسلان، وليّ الدم. بخلاف ما روّج له الكثير من وسائل الإعلام. تروي مصادره أن أرسلان، الذي كان يرفض حلّ المحكمة العسكرية وقد فشل الوزير سليم جريصاتي بإقناعه، عاد ووافق عليه بعدما طرحه بري بوصفه أفضل الحلول تمهيداً للذهاب إلى مجلس الوزراء.
عقد يومها اجتماع في قصر بعبدا جمع، بحضور رئيس الجمهورية، كلاً من أرسلان والوزراء صالح الغريب وسليم جريصاتي والياس بوصعب، واللواء عباس ابراهيم. اتفق المجتعمون على ما يلي: موافقة أرسلان على حل المحكمة العسكرية على أن يضمن الرؤساء الثلاثة إحالة الموضوع على المجلس العدلي اذا تطلّب الأمر ذلك. بناء عليه يذهب الجميع الى جلسة لمجلس الوزراء، ويطرح الموضوع ولو من خارج جدول الأعمال.
اعتبر ذلك تنازلاً من أرسلان، وقصد ابراهيم وليد جنبلاط لإبلاغه بالحل الذي تم الاتفاق عليه، وليطمئنه أن لا مجلس عدلياً. انزعج جنبلاط الذي سأل زائره: “ومع من أتصالح، مع الوكيل في قصر بعبدا؟ أريد أن أتصالح مع الأصيل. صالحوني مع “حزب الله” وحينئذ أرى ماذا أفعل”. أجابه ابراهيم: “وما دخل “حزب الله” بالأمر، هو ليس طرفاً في الموضوع، ولا يمكن ان نأتيك بضمانات منه”.
من وجهة نظر “حزب الله”، “جنبلاط يصرخ لنتحدث معه”. هو أرسل عبر اللواء ابراهيم أنه يريد الجلوس وحلّ المشكلة مع “حزب الله” و”أرسلنا جوابنا بأن ليس لدينا مشكلة معك، وليس لدينا مشروع داخل الطائفة الدرزية. نحن حتماً معنيون بدعم حلفائنا طلال أرسلان ووئام وهاب وفيصل الداوود والآخرين إنما لا مشروع لدينا لتحجيمك”.
لومهم على زعيم الجبل أنه “عرف كيف يبدأ المشكلة إنما لم يعرف كيف ينهيها، يقول بإمكانكم أن تتخذوا إجراءات ضد الحزب الاشتراكي ولكن بإمكاننا دفع البلاد إلى الحرب الأهلية”.
يريد جنبلاط تكريس زعامته الدرزية والإطاحة بطلال أرسلان مستفيداً من الظروف التي أنتجتها زيارة الوزير جبران باسيل إلى البساتين بحسب “حزب الله”، الذي سيبقى متمسكاً بتحالفه مع أرسلان ومتمسكاً إلى أبعد الحدود بدعمه لميشال عون، “ولكن هذا لا يعني أننا سنبقى على خصومة نهائية وأبدية مع وليد جنبلاط، الذي لديه كمية هائلة من الهواجس لسنا مسؤولين عنها”.
لكن لماذا لا يتجاوب “حزب الله” مع الوساطات بالانفتاح على جنبلاط ويخفف من هواجسه؟… “لأننا ببساطة لم نكن جزءاً من المشكلة ولن نكون جزءاً من الحل. هو يعتقد أن “حزب الله” وسوريا يحاصرانه ونحن جاوبنا الوسطاء أن المدخل الطبيعي لإعادة انتظام العلاقة مع “حزب الله” هو طلال أرسلان. ليذهب نحو حل مشكلة البساتين مع أهالي الضحايا بعد المصالحة مع طلال أرسلان ويجتمع مجلس الوزراء ويرجع الانتظام إلى الحقل العام وحينها نقرّر الجلوس من عدمه ونبحث الأمر سوية، ونبدأ الحديث عن العلاقة بين الحزبين”.
بالأمس جلس جنبلاط وطلال ارسلان وتمت المصالحة الأولية برعاية الرؤساء الثلاثة وضمانتهم، واليوم تعقد جلسة لمجلس الوزراء، ما يعني أنّ دورة الحياة السياسية بدأت بالعودة إلى مجراها الطبيعي تدريجياً، ولو بقيت تفاصيل المسار القضائي غير معلومة بعد. فهل تعود أبواب العلاقة لتشرّع بين “حزب الله” و”الاشتراكي”؟