هل تُساهِم «حماية ظَهْرِ» رئيس «الحزب التقدمي الاشتراكي» وليد جنبلاط بعد المسار الذي سلكتْه «حادثة البساتين»، والذي حَمَلَ مؤشراتٍ من تحالف فريق «التيار الوطني الحر» (حزب الرئيس ميشال عون) و«حزب الله» لـ«كسْر شوكته»، في تسهيل «المهمّة الصعبة» لرئيس الحكومة سعد الحريري في واشنطن التي يزورها بعد غد للقاء كبار المسؤولين؟
سؤالٌ حَضَرَ في بيروت من خارج «مناخ الاسترخاء» الذي تعيشه بعدما التقطتْ (الجمعة) أنفاسَها بفعل «حلّ اللحظة الأخيرة» الذي وفّر «حَبْل نجاةٍ» أتاح خروج الجميع من «حفرة البساتين» قبل أن تَنْزَلِقَ الأزمةُ التي «قبضتْ» على جلسات الحكومة لأربعين يوماً إلى «مأزقٍ وطني» تَهَيَّبَهُ الداخِلُ و«اسْتَنْفَرَ» الخارجُ بإزاء ارتداداتِه «الكاسْرة للتوازنات».
وغداة انطلاقِ مسارِ ترْجمةِ «صلحة البساتين» التي شهدها القصر الجمهوري عبر الجلسة التي عقدها مجلس الوزراء السبت، أعربتْ أوساطٌ مطلعة عبر «الراي» عن اعتقادها أنه إلى جانب «المعطى المالي» وبدايات «الانهيار المُقَنَّع» في هذا الواقع فإن «العاملَ الأميركي» شكّل المحرّك الأساسي لـ«جلْب» مَن كانوا يُعانِدون مَخارِج لهذه الأزمة لا «تهزم» جنبلاط إلى الحلّ الذي وَضَعَ ركائزه رئيس البرلمان نبيه بري وسانَده الحريري ورعاه عون.
وفي رأي هذه الأوساط أن هذا العامِل الذي أطلّ برأسه من بيان السفارة الأميركية الذي رَسَم خطّ دفاع صريحاً حول جنبلاط وأي محاولةٍ لاستهدافه عبر المسار القضائي لحادثة البساتين (بخلفياتٍ لا يغيب عنها النظام السوري و«حزب الله» كما عبّر جنبلاط)، كما من الكشْف عن زيارة مُقرَّرة للحريري لواشنطن للقاء مسؤولين عُلم حتى الساعة منهم نائب الرئيس مايك بنس ووزير الخارجية مايك بومبيو، بدا بمثابة «المفتاح السري» لطيّ صفحة الأزمة بجانبها «المتفجّر».
وبحسب هذه الأوساط، فإن «حزب الله» الذي «تضيق الكماشةُ» الأميركيةُ عليه بالعقوبات التي أعدّ لها «استراتيجية تَكيُّفٍ» رغم اعترافه بأنها موجعة له ولبيئته، لا يرغب في ترْك الواقع اللبناني «ينهار بين يديْه» (بعدما جاهرت طهران بأنه بات يملك الغالبية البرلمانية) من «الخاصرة الرخوة» المالية، وهو ما كان سيصبح «حتمياً» بحال لم يتمّ سحْب «فتيل البساتين» بمخْرجٍ، ظَهَر فيه جنبلاط مُحَقِّقاً أكثر من نقطةٍ ثمينة، وذلك بعد «الإنذار الأميركي» الذي جاء مُدجَّجاً بالرسائل وليس أقلّها أن «لبنان تحت المعاينة اللصيقة»، كان سيسْتتبعه موقف أوروبي لا يقلّ دلالة، بما يضع كل الواقع اللبناني ومؤتمر «سيدر» للنهوض المالي – الاقتصادي في دائرة الخطر الأكيد.
وتشير الأوساطُ في السياق عيْنه إلى أن «التيار الحر» الذي بات يؤرقه «سيف العقوبات الأميركية» التي يزداد الحديث عن أنها تقترب من أن تشمل حلفاء لـ«حزب الله» في لبنان، ليس أيضاً بوارد «جلْب الدب الأميركي الى كرْمه» عبر إدارة الظهر للدلالات الكبيرة لبيانِ السفارة الأميركية الذي صيغ في وزارة الخارجية التي تُشْرِفُ على خطة تقليصِ نفوذ «حزب الله» ومُطارَدته في أكثر من دولة وإيصال تمويله إلى «صفر دولار» من ضمن مسار المواجهة الكبرى مع إيران وأذرعها في المنطقة.
وإذا كانت هذه الاعتبارات ساهَمَتْ في تغليبِ خيار «الانكفاء» عن خوض المعركة «حتى النهاية» مع جنبلاط واستطراداً «تسليف» الحريري ورقة يمكن أن يحملها الى واشنطن بأن الوضع في لبنان عادَ إلى الانتظام تحت سقف الاستقرار والستاتيكو الذي يحْكمه منذ تسوية 2016، إلا أن أسئلةً تُطرح حول إذا هذا الأمر سيكون كافياً لجْعل رئيس الحكومة يعود من الولايات المتحدة بما يفرْمل ما يُحْكى في الكواليس عن اتجاهٍ لاجراءات قاسية عقابية تجاه لبنان بإدراج شخصيات سياسية إضافية على لوائحها «السود» وسط خشيةٍ من تَراجُع الحماسةِ الأميركية حيال التزام مساعداتها المخصصة للبنان في مؤتمر «سيدر» أو تلك التي ترسلها إلى الأجهزة العسكرية والأمنية.
ورغم التقارير التي تشير إلى أن رئيس الحكومة سيحاول في واشنطن تمديد «فترة السماح» للبنان، وتأكيد التزام حكومته النأي بالنفس، ومضيّها بالإصلاحات التي أسستْ لها موازنة 2019 (وفق ما أكد عليه «بروتوكول القصر» في الاجتماع الرئاسي – الوزاري – المصرفي قبيل مصالحة البساتين)، فإن علامات استفهامٍ طُرحت حول قدرة رئيس الحكومة على التأثير في المسار الأميركي الجديد الذي كان عبّر عن نفسه قبل شهر ونيف مع توسُّع العقوبات باتجاه «الذراع السياسية» لحزب الله، مع دعوةٍ لـ «الحكومة لقطع اتصالاتها بأعضاء حزب الله المدرَجين على العقوبات» وتلويح «بأننا لن نغلق عيوننا عن أعضاء الحزب في الحكومة»، وهو ما أعقبتْه التلميحات إلى اتجاه لإدراج حلفاء لبنانيين للحزب على القوائم السود.
وفيما سيسعى الحريري لثني واشنطن عن توسيع رقعة العقوبات خشية تأثير ذلك على الاستقرار اللبناني وخصوصاً إذا تَرافَقَتْ مع التضييقِ على القطاع المصرفي الذي يبقى «صمام الأمان» الأخير أمام الانهيار المالي، كان لافتاً أن تلفزيون «ام تي في» نَقَلَ أجواء من العاصمة الأميركية تتحدّث عن أن «خيار وضع الإدارة الأميركية عقوبات على شخصيات سياسية قريبة من حزب الله سينتقل الى حَيِّز التنفيذ في الأشهر المقبلة»، وأن «الأميركيين سيدعون الحريري للخروج النهائي والصريح من دائرة تأثير حزب الله».
وكانت لافتة عشية الزيارة، اندفاعة «حزب الله» تنديداً ببيان السفارة الأميركية «الذي يهدّد الوحدة الوطنية ويشكل اعترافاً بتراجُع دور السفارة ونفوذها وأدواتها في لبنان» وتأكيداً «أن العقوبات الأميركية في محاصرة المقاومة فشلت»، ما اعتُبر بمثابة «رسائل ضمنية» برسْم الحريري، كما لتبديد الانطباع بأن «تسوية البساتين» جاءت على وهْج الضغط الأميركي. علماً ان هذه الاندفاعة عكستْ استمرار التشدُّد حيال جنبلاط وأن «المعركة معه لم تنته».