سقطت ورقة التوت عن الطبقة السياسية في لبنان. لم تعد تنفع مسرحيات الشعارات الكبرى، بفعل الأداء الهابط للقوى السياسية حتى قهر الانسحاق.
لا يمكن لأحد أن يبرّر تعطيل البلاد 40 يوماً، ورفع السقوف بالشكل الذي تابعناه، حين تكون النهاية مأسوية مبنية على بيان من 3 أسطر من السفارة الأميركية.
لن يقنعنا أحد بأن ما حرّكه هو الخوف على الوضعين المالي والاقتصادي، بقدر ما اقتنعنا كأكثرية اللبنانيين، بأن الخوف من العصا الغليظة للعقوبات الأميركية كان العامل الحاسم الذي جعل الأطراف المعنية تنزل عن شجرة التعطيل والشعارات والسقوف!
كان يمكن لـ”التسوية” التي عُقدت أن تعقد منذ اليوم الأول، لو أن ثمة من يتحلى بالمسؤولية فعلاً في وطن ينهار، لكن المكابرة على حساب الوطن كانت الطاغية كما دائماً.
حسناً، إن هجاء الطبقة السياسية في لبنان لا يفيد، لأن هذه الطبقة تأتي بأصوات اللبنانييين. لكن بربكم أوقفوا المسرحيات السياسية، وأعلنوا انصياعكم للإرشادات الخارجية، وتعليمات السفارات، سواء اقتناعاً أو خوفاً، وسواء بفعل الترغيب أو الترهيب.
ربّ قائل إن السفارة الأميركية في لبنان مشكورة على بيانها الذي دفع بشكل حاسم إلى عودة الأمور الى نصابها في بلد كانت قد خرجت فيه الأمور من عقالها. ولكن بئس سياسيين لا تنفع معهم غير سياسة العصا والجزرة!
أيا يكن، ورغم كل ما حصل، فإننا مقتنعون بأن أي تسوية لم تحصل فعلاً، وبأن ما جرى ليس أكثر من أن الأطراف أجبروا على تخطي ما حصل مرغمين، تماما ربما كما افتعلوا ما حصل رغماً عنهم.
وفي حين تتلهى القوى السياسية، وحتى أهل الصحافة، بتصنيف الرابحين والخاسرين وإحصائهم كنتيجة للمواجهة السياسية الأخيرة، يظهر أن لبنان تكبّد ما لا يقل عن 800 مليون دولار كخسائر مباشرؤة وغير مباشرة للتعطيل الذي طال لحوالى 6 أسابيع. وهنا لب الأزمة وكل الأزمات. يتلذذ السياسيون في لبنان في تدمير الاقتصاد في مواجهات على قاعدة “بيي أقوى من بيّك”، في حين يلهث العالم كله لوضع السياسة في خدمة اقتصاداتهم.
عبثاً نبحث عن بناء بلد طالما الذهنية لدى الطبقة السياسية تقوم على قاعدة “السياسة أولاً”، لأن لا أهمية لأي مكتسبات سياسية مزعومة حين ينهار الاقتصاد. لن نشهد قيام دولة في لبنان قبل أن تقتنع كل القوى السياسية بأن “الاقتصاد أولاً”، وبأن السياسات الطائفية والمذهبية والحزبية والعشائرية إنما تدمّر الوطن من دون أن تخدم أحداً.
حمى الله لبنان من سياسات أكثرية سياسييه!