كتبت سناء الجاك في صحيفة “الشرق الاوسط”:
يستمر الحراك الشعبي في مخيم «عين الحلوة» الفلسطيني (شرق صيدا، جنوب لبنان)، احتجاجاً على قرار وزير العمل كميل أبو سليمان المتعلق بضرورة حصول العمال من اللاجئين الفلسطينيين على إجازة عمل أسوة بالأجانب.
ويقول محمود شعيب، وهو مالك دكّان عند أحد مداخل المخيم، لـ«الشرق الأوسط» إن «الوضع مأساوي. قرار الوزير ساهم في رفع نسبة البطالة التي تعدت 60 في المائة. كما أن أغلب الفلسطينيين يعملون في البناء. وهذا القطاع مشلول بعد توقف القروض الإسكانية. وإذا توافر العمل فهو موسمي لفترة قصيرة».
ويقارب عدد سكان عين الحلوة 60 ألف نسمة. والمشكلة الكبرى التي يعانون منها هي تقلص خدمات «الأونروا». ففي القطاع الاستشفائي بات على المريض أن يدفع نسبة بين 10 و15 في المائة من فاتورة الطبيب، وأن يسدد 40 في المائة من قيمة فاتورة المستشفى. أما المدارس فتشهد اكتظاظاً غير مسبوق؛ إذ يقارب عدد التلاميذ في الصف الواحد الخمسين تلميذاً.
كما يشكو سكان في المخيم مما يعدّونه «تضييقاً استنسابياً» ضدهم. ويقول «أبو علاء» لـ«الشرق الأوسط»: «لو خرجنا من المخيم ودخلنا 10 مرات في اليوم، فعلينا أن نبرز بطاقتنا، وأن نخضع للتفتيش الدقيق. والتشدد على الحواجز لا يستثني المرضى والمصابين الذين يتوجب نقلهم إلى المستشفيات. والويل لمن يُضبط وهو يحمل علبة سجائر مهربة. حينها سيدفع غرامة، قد تصل إلى مائة ألف ليرة (نحو 70 دولاراً) إذا كان في حوزته (كروز) يحوي 10 علب، علما بأن شاحنات السجائر المهربة تدخل إلى المخيم من دون حسيب أو رقيب».
ويضيف: «الممنوعات كثيرة؛ وأهمها مواد البناء، مع أن معظم الأبنية عمرها أكثر من 50 عاماً وتحتاج إلى ترميم وإصلاح. أما الأدوات الكهربائية والأدوات المنزلية فيتطلب إدخالها معاملات وأوراقاً من المختار ومن مخابرات الجيش اللبناني. وقمة القهر يعكسها الجدار الذي يعزل المخيم. ولم يعترض أي فصيل أو تنظيم على بنائه أو على بناء أبراج المراقبة. وهدف التضييق والتشدد إرغامنا على الهجرة عبر وسائل تهريب البشر، حيث يتم دفع 10 آلاف دولار لكل شخص (يتم تهريبه). ومافيات التهريب لا تضمن وصول الهارب إلى وجهته. بعضهم يعود ويخسر ما دفعه».
وعن أزمة «إجازة العمل»، لفت بعض أهالي المخيم إلى أن من أثار هذه الأزمة «هم أصحاب العمل الراغبون في التهرب من تطبيق القوانين والتصريح عن العمال لديهم ودفع المتوجبات إلى الضمان الاجتماعي». وأشاروا إلى أن «تطبيق القانون يخدمهم إذا حصلوا على ضمان للفلسطيني وتعويض نهاية خدمة ومعاملته كمقيم وليس كأجنبي». وقالوا إن «طوابير من العمال الفلسطينيين تغادر كل صباح المخيم باتجاه صيدا» للعمل فيها وفي ضواحيها. وانتقدوا «معادلة منع التملك للفلسطيني والسماح به للأجنبي، والتصرف مع الفلسطيني في إطار العمل كأجنبي».
إلا إن الشق الأمني يبقى الأخطر في ملف الإشكالات المتعلقة بعين الحلوة. ويقول الشاب الفلسطيني فؤاد إن «مأساة المخيم بدأت مع وضع النظام الأمني السوري – اللبناني يده عليه. ويبدو أنه لا يزال فعالاً حتى يومنا هذا. سلمنا سلاحنا بعد (اتفاق الطائف). وفوجئنا بعودة كميات أكبر من السلاح مع تنظيمات متطرفة لا نعرف كيف فرَّخت وكيف تموِّل نفسها. المطلوبون يدخلون ويخرجون من دون حسيب أو رقيب، يأتون من طرابلس (شمال لبنان)، ويذهبون إلى سوريا، ويعودون إلى عين الحلوة. الأمر ملموس. فملف المنطقة أمسكه النظام السوري خلال وجوده في لبنان، ودخل الإيرانيون على الخط. وقضية جماعة (عصبة الأنصار) فاضحة. فبعد ارتكاب أفرادها جرائم بحق الفلسطينيين واللبنانيين على حد سواء، تمت شرعنتها وتبييض صورتها وانخرطت في المحور الإيراني».
لكن فعاليات فلسطينية في عين الحلوة تشير إلى أن «المخيم آمن أكثر من السابق. الحالات المتطرفة التي كانت تسبب الرعب غابت قبل عام إثر معارك عنيفة. و(مجموعة الأسير)؛ (رجل الدين الموقوف)، المؤلفة من نحو 60 شخصاً تم نقلها بحافلات من المخيم وعبرت بهم الساحل اللبناني ثم الساحل السوري وصولاً إلى تركيا التي دخلوا منها مجدداً إلى شمال سوريا (مناطق المعارضة) وهم يحاربون حالياً في إدلب». ويستغرب فؤاد «توقيت اقدام المطلوب بلال العرقوب وأولاده على قتل جمال علاء الدين الملقب بـ(الخميني) وابنه حسين وبطريقة وحشية الأسبوع الماضي. الضحيتان تنتميان إلى أكبر عائلات المخيم، مما يعني استدراج اشتباكات ومعارك وعمليات ثأر». ويعدّ أن «من أوعز للعرقوب بهذه الجريمة أراد تصفيته، فأهالي القتيلين قرروا اقتحام الحي الذي يقيم فيه العرقوب، ومعهم (عصبة الأنصار). وحرصت العصبة على إبلاغ الإرهابي المطلوب بلال بدر الذي يقيم في منزل قبالة منزل العرقوب في حي الأحمر، وأمنت له طريقه ليغادر إلى حي الصفصاف، حتى انتهاء العملية وقتل العرقوب على يد أفراد من (العصبة). ويرد البعض السبب إلى أن العرقوب كان عضواً في (العصبة)، وأوكلت إليه مهام قذرة، ولا مصلحة لها بعد أن غسلت يديها من ارتكاباتها وبيّضت صفحتها وطبَّعت علاقاتها مع السلطات اللبنانية والفصائل الفلسطينية الأخرى، بأن يتم القبض على العرقوب ويدلي باعترافات تورطها. لذا رفع الغطاء عنه. مات ومات سرّه معه. وبمقتل بلال العرقوب طويت الحالة الأخيرة من البؤر الأمنية غير المضبوطة التي كانت تقلق المخيم».
وانتقد بعض أهالي المخيم «تركيز الإعلام على الأحداث الأمنية وإغفال الحراك السلمي الخالي من الإطارات المحروقة والهادف إلى إيصال رسالة عبر خطاب ثقافي وفني لكشف معاناة اللاجئين». كما انتقدوا «عدم مد جسور ثقة بين الجهات الأمنية واللاجئين واعتماد المخبرين وسياسة الجدار الفاصل وأبراج المراقبة والضغط المبالغ فيه» ضد سكان المخيم.