بعد أن نزع لقاء المصارحة والمصالحة الذي احتضنه قصر بعبدا الجمعة الماضي، فتيل أزمة البساتين، على الصعيد السياسي من جهة، والدرزي – الدرزي من جهة ثانية، يبقى الشق المسيحي – الدرزي من حوادث 30 حزيران، في حاجة الى علاج. فاعتبار الحزب التقدمي الاشتراكي ان خطاب رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل كان العامل الاساسي المسبّب لما حصل في الجبل، واعتبار رئيس الجمهورية العماد ميشال عون ان “كمين” قبرشمون كان معدّا لاستهداف باسيل، أصابا “المصالحة” المسيحية – الدرزية في الصميم، وهزّا “أسسها” إلا انها لم تقع. مصادر سياسية سيادية تقول لـ”المركزية” إن غيمة الصيف هذه، التي مرّت فوق الجبل في الاسابيع الماضية، عابرة ولن تؤثر على الوجود المسيحي فيه، الا ان الاشتباك البرتقالي – الاشتراكي يجب بلا شك، ان يتم تطويق ذيوله وتداعياته على المصالحة – وإن لم تكن وازنة وكبيرة – وذلك بتعاون من الجانبين. فهل نشهد قريبا انطلاق حوار بينهما؟
في المقابل، تشير المصادر الى ان القوات اللبنانية، وموقف رئيسها سمير جعجع، إبان الازمة، شكّلا صمام الامان الاقوى الحامي للمصالحة. فالرجل سعى منذ اللحظة الاولى، لوضع الامور في إطار مختلف، واعتبر ان الاشكال ليس أبدا مسيحيا – درزيا، بل سياسي، فأنقذ بكلامه هذا، الانجاز الذي حققه البطريرك الراحل مار نصرالله بطرس صفير ورئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط في آب 2001، من السقوط. فهل يمكن تخيّل كيف كان الوضع سيكون في الجبل، لو اتخذ حزب القوات موقفا مغايرا مما حصل وتبنّى رواية “عملية الاغتيال المفترضة” ونظرية ان “المسيحيين مستهدفون من قبل الدروز”؟ رئيس الحزب التقدمي قدّر موقف معراب، ولم يتردد في شكرها أكثر من مرة على مدى الايام الماضية، وقد غرد كاتبا “اشكر الدكتور سمير جعجع على صراحته وجرأته وانه يقول كما نقول ان الخلاف في البلد سياسي وليس طائفيا ومعه سنعالج بصبر وهدوء التفسيرات العشوائية لتلك السلطة المنحازة”، وتابع “مهما جرى في البساتين من محاولة تحريف التحقيق فان الحقيقة اقوى من محاولات التزوير. شكرا حكيم وكفى ابراج كذب”.
على اي حال، وبعد تجاوز “عاصفة” البساتين، ستواصل “القوات” جهودها لاعادة تثبيت قواعد المصالحة في أرض الجبل. وفي هذا الاطار، تكشف المصادر عن زيارة قريبة سيقوم بها رئيسها الى المختارة في قابل الايام، يريد منها توجيه رسالة سياسية واضحة الى الحلفاء والخصوم والى سكان الجبل من المسيحيين والدروز، تقول ان نهج المصالحة والتعايش لا عودة فيه الى الوراء، بل على العكس.
وفيما يرتقب ان يزور المختارة وبيت الدين ودارة النائب جورج عدوان، ملتقيا فاعليات اشتراكية وقواتية سياسية وشعبية وأهلية، توضح المصادر ان جعجع سيشدد على ان العودة المسيحية الى الجبل تمّت، وإن كانت تحتاج الى تعزيز وتدعيم بفضل مشاريع انمائية اقتصادية تساهم في تثبيت أهل المنطقة، جميعهم، أكثر في ارضهم، لكن التشكيك في حصولها في غير مكانه.وسيعيد التأكيد ان ثمة اختلافات في البلاد وهي ليست محصورة فقط في الجبل ولا تطال فقط مكوّناته، بل طبيعتها “سياسية” و”استراتيجية” لا “مذهبية أو طائفية” على الاطلاق، بدليل ان القوات والاشتراكي وقفا في الخندق نفسه ابان الازمة الاخيرة. ويبقى أن الحزبين ركيزتا “المصالحة” ونواتها، وهما الطرفان السياسيان المعنيان بها “مباشرة”، وهي إرث يحملانه في “الأهداب” سيبذلان الغالي والنفيس، لحمايته وصونه…