كتب أسامة القادري في صحيفة “نداء الوطن”:
شكّلت الأصوات التي نالها مرشح “حزب الله” النائب أنور جمعة 15601 صوت تفضيلي، في الانتخابات النيابية الأخيرة، مادة دسمة لأن تفتح عليه “أبواب جهنم” الانتقادية داخل البيت الشيعي البقاعي وتحديداً البقاع الأوسط، خصوصاً أن نسبة الالتزام التي تجاوزت الـ 90 % جعلته يحتل المرتبة الأعلى في حصد الأصوات في زحلة.
وبعد مرور سنة على هذه الانتخابات فشل “حزب الله” في موازاة التزام طموح وآمال الشارع الشيعي البقاعي مع “الثنائي” (حزب الله وحركة أمل)، فتصاعدت وتيرة الانتقادات حتى وصلت حد أن يُطلق عليه “الثنائي الجنوبي”، باعتبار أن كل الخدمات والحصص التوظيفية تكون الحصة الأكبر فيها لأبناء الجنوب.
وفي الاطار نفسه يشعر الوسط “الشيعي” بالغياب الفعلي لأي منافس يستفيد منه هذا الوسط.
هذا التقصير الواضح من القيادة الشيعية أضيف عليه عدم استطاعة النائب أنور جمعة أن يملأ الفراغ المتروك فيها منذ 2005، أي منذ أن ترجل “النائب والوزير السابق محسن دلول عن المقعد الشيعي في دائرة زحلة الانتخابية”، ومنذ ذلك الوقت يضع الثنائي الشيعي اللوم على عدم مجاراة الخدمات بالنائب المنتخب عن “شيعة الأوسط”، رغم أن الانتقاد لم يسلم منه عضو تكتل “التغيير والاصلاح” النائب السابق حسن يعقوب كونه أتى من خارج “الأوسط”، تم إلزام الشارع بانتخابه منذ 2005 حتى 2009، لم يترك له بصمة تساهم في إعادة انتخابه أو تساهم في رفع الإتهام عن تقصير “الثنائي تجاه جمهوره البقاعي”، فأتت انتخابات 2009، حيث تم التركيز لدى جمهور “حزب الله” على اتهام عقاب صقر أنه يأتي من خارج “الأوسط” ويمثل سياسة مناوئة للثنائي الشيعي. ولم يختلف الوضع في الانتخابات الأخيرة، حيث اعترف “الحزب” أن تبني “تيار المستقبل” ترشيح نزار دلول نجل محسن دلول يضع “شيعة” البقاع الأوسط أمام تاريخ دلول المليء بالخدمات ومرشح “الحزب” الذي لم يختبروه بعد، فبدأت الحملة من كلمة الأمين العام لـ”حزب الله” السيد حسن نصرالله التي قال فيها “إن استدعى الأمر زيارة بيوت الناخبين بيتاً بيتاً سنفعل ذلك”، ليقنعهم بأنّ الوضع خطير جداً.
هكذا بقي الجمهور الشيعي في البقاع الأوسط كأنه في مقاطعة محظورة، لتصبح وظيفته فقط الإحصاء والعد “لقتلى” الواجب الشرعي في بلاد الله الواسعة، وللأخطاء والوعود الوهمية التي أطلقتها ماكينة “حزب الله” في القرى والبلدات البقاعية.
تسجل شخصية فاعلة في قرى ذات غالبية شيعية، (ترفض الافصاح عن هويتها)، إنتقادها اللاذع لإبتعاد النائب جمعه عن جمهوره، واعتبارها أن الأخير ما زال غير معروف، “إذا التقينا فيه لا نعرفه ما لم يعرّف عن نفسه”، هذا الانتقاد لم يبرر ابتعاد قيادة “الحزب” عن الجمهور، سيما أن الثنائي الشيعي كل يتمايز عن الآخر من حيث طريقة الأداء والتواصل مع الجمهور. “الحزب” يفصل بين القيادة الحزبية وبين النائب والعلاقة مع الجمهور، عكس “حركة أمل” التي تعزز دور القيادة السياسية ويستطيع النائب أن يشكل مروحة واسعة من العمل الخدماتي من خلال تلازم القيادة الحزبية معه.
لا يخفي مقرّب من “حزب الله” أن قيادة الحزب بدأت تسمع انتقادات تطال مسؤولين حزبيين وقيادات سياسية بقاعية على طريقة أداء جمعة، حتى وصل الأمر بهم الى القول “رزق الله على أيام النائب عقاب صقر”، أي أن غيابه وحضوره بالنسبة لهم واحد، ما يبرر لصقر ابتعاده وغيابه عن البقاع طيلة فترة تمثيله المقعد الشيعي في “الأوسط” منذ 2009 حتى 2018، أنه أتى بأصوات جمهور “تيار المستقبل” ومن خارج “الأوسط”، وليس بأصوات “الشيعة”.
ويجد أحد القياديين السابقين في “حركة أمل” في البقاع الأوسط أن “الحزب” فشل في خلق ثقة بين الشارع وبين القيادة السياسية، باعتماده طاعة الجمهور واستنهاضه دينياً. في ظل اتساع رقعة الانتقاد حتى أصبح الناس يقولونها بالفم الملآن على مسمع الكل وعلى صفحات التواصل الاجتماعي “الثنائي الجنوبي”. وهذا له دلالاته في الآلية المعتمدة من القيادة السياسية.
ويجد البقاعيون أنفسهم أمام دعوة مرشح “تيار المستقبل” نزار دلول كبوابة دخول من فراغ تركه “حزب الله”، وبحسب مصدر مقرّب من دلول أن الشارع البقاعي عامة والشيعي خاصة “يثق ببيت دلول لما لهم من خدمات ولما قدّمه الوزير دلول لأبناء البقاع على اختلاف مشاربهم وانتماءاتهم السياسية”.