كتب د. عامر مشموشي في صحيفة “اللواء”:
بعد لقاء المصالحة والمصارحة بين رئيس الحزب “التقدمي الاشتراكي” وليد جنبلاط ورئيس الحزب “الديمقراطي” طلال أرسلان والذي عقد في القصر الجمهوري يوم الجمعة الماضي برعاية الرئيس ميشال عون وبمشاركة الرئيسين نبيه برّي وسعد الحريري، وبالرغم من غياب المصافحة بين الخصمين القديمة – الجديدة والتنافس على زعامة الطائفة الدرزية الكريمة نشطت التحليلات السياسية في وسط الإعلام، وبين رجالات السياسة في صبر أبعاد هذا اللقاء وما إذا كان أنهى فعلياً الأزمة السياسية الكبرى بين الزعيمين الدرزيين من جهة، وبين رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي والعهد ومن ورائه التيار “الوطني الحر” الوزير جبران باسيل وأعادت الألفة التي اهتزت بشكل عميق بين الدروز والمسيحيين إلى الجبل، وهل سيشرّع هذا اللقاء الباب واسعاً لتحريك عجلة الدولة المتوقفة منذ أكثر من أربعين يوماً وعودة النشاط إليها وإلى حكومة «الى العمل» والتي يعتبرها رئيس الجمهورية حكومة عهده الأولى ويعلق عليها الآمال في إخراج لبنان من كل أزماته المتراكمة وفي مقدمها الضائقة الاقتصادية التي أرهقت الجمهورية، وباتت تشكّل خطراً على العهد نفسه في حال لم تتمكن حكومة العهد من التصدّي لها واجتراح الحلول الناجعة لها والتي تعيد الحياة الطبيعية وتلغي الصورة السوداء لهذا البلد عند المجتمع الدولي وكافة الخبراء في اقتصاديات الدولة واوضاعها العامة.
بعض المحللين لنتائج وأبعاد لقاء القصر الجمهوري، اعتبروا انه كان ناجحاً ولإن لم يكتمل بمشهد المصافحة بين جنبلاط وأرسلان ومشاركة الوزير باسيل وهو المعني الأساسي بهذا اللقاء، لأنه أنهى حالة التأزم التي سادت الجبل وكل لبنان طيلة الأربعين يوماً التي مضت على حصول حادثة قبرشمون – البساتين والتي أدّت إلى تأجج الصراع بين جنبلاط وأرسلان من جهة وبينه وبين الوزير باسيل من جهة ثانية على خلفية ان باسيل وأرسلان يعملان بتوجيهات خارجية وتحديداً إيرانية – سورية لتحجيم زعامة رئيس الحزب التقدمي في الجبل، وحتى كسر هذه الزعامة التاريخية، كمحاسبة له على مواقفه التصعيدية ضد نظام بشار الأسد والنظام الإيراني الذي يفرض سيطرته على لبنان من خلال ربيبه حزب الله وفائض القوة التي يملكها بفضل الدعم الإيراني غير المحدود، واعتبر هذا البعض أن لقاء بعبدا على الرغم من أهميته على صعيد تهدئة الأجواء المحمومة في الجبل، إلا انه ما زال يحتاج إلى الكثير من الجهد والتعب والمثابرة لكي يزيل الاحتقان السائد في الجبل بين الدروز أنفسهم وبين الدروز والمسيحيين، لكن هذا البعض يعلق أهمية خاصة على القرار الذي اتخذه رئيس الجمهورية بالانتقال يوم غد الجمعة إلى بيت الدين كعادته في كل سنة لقضاء أسبوعين في عرين رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي، واعتبر هذا القرار مؤشراً على أن لقاء بعبدا قد طوى صفحة سوداء في الجبل وفتح صفحة جديدة، خصوصاً وأنه درجت العادة منذ عشرات السنين ان يزور زعيم المختارة قصر بيت الدين عربوناً منه على متانة العلاقة بين المسيحيين والدروز في الجبل، آملة ان يتوج انتقال العماد عون إلى قصر بيت الدين بهذه الزيارة للتأكيد على ان الأمور عادت الى طبيعتها وان الازمة الناشبة قد طويت صفحتها ولم يعد ثمة من مشكلة درزية – درزية ودرزية – مسيحية تُهدّد بانفراط العقد الاجتماعي بين الفريقين الذي ارسته المصالحة التاريخية التي أرساها الزعيم الاشتراكي والبطريرك الراحل مار نصر الله بطرس صفير قبل حوالى عشرين سنة واسست لعودة المسيحيين المهجرين بسبب الاحتراب الداخلي الى مدنهم وبلداتهم وقراهم.
لكن البعض الآخر من المحللين لا يجاري هذا البعض تفاؤله بطي صفحة الأزمة التي استولدتها حادثة الجبل والتصريحات الاستفزازية التي سبقتها من رئيس التيار الوطني الحر واعتبرت ان الأزمة ما زالت كالنار تحت الرماد رغم اللقاء الذي عقد في القصر الجمهوري لأنها ليست في حقيقتها درزية – درزية على حدّ ما ظهرت إلى العلن بل هي درزية – مسيحية نتيجة الاحتقان الذي خلفته تصرفات رئيس التيار الوطني الحر الاستفزازية، وإصراره على الدخول إلى الجبل كفاتح وعلى وقع نبش قبور الحرب الأهلية وتحريض الدروز والمسيحيين على بعضهم البعض، الأمر الذي اثار مخاوف المجتمع الدولي من عودة الحرب الاهلية إلى لبنان، وبادرت الولايات المتحدة الأميركية إلى توجيه رسالتها التحذيرية إلى رئيس الجمهورية وإلى التيار الوطني الحر وإلى كل من يحرض على التصعيد في الجبل، من أن هناك خطوطاً حمراً تتمثل أولاً في المحافظة على الزعامة الجنبلاطية للدروز عامة وفي الجبل خاصة وعدم السماح للمس بها.
ويميل هذا البعض إلى ان رئيس الجمهورية الذي سبق واتهم قبل يومين من الرسالة الأميركية ان اتهم رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي بالتخطيط لافتعال فتنة مسيحية – درزية في الجبل من خلال نصب الكمين لاغتيال رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل، أثناء مروره في بلدة البساتين التي عاشت مآسي الحرب الأهلية ولم تنساها بعد بالرغم من مرور الزمن والمصالحة التاريخية بين الدروز والمسيحيين، وانه لولا إدراك الرئيس عون للجدية الأميركية التي عبرت عنها بكل وضوح في هذه الرسالة لما كان استعجل عقد لقاء المصالحة الدرزية – الدرزية، تحت رعايته في القصر الجمهوري لكي يظهر للاميركيين بأنه حريص من موقعه على استمرار الاستقرار في هذا البلد التعددي، فضلاً عن ادراكه للخطر الداهم على لبنان وعلى عهده بشكل خاص فيما بقيت الأزمة تتفاعل داخلياً كما كان واقع الحال، وذلك في ظل الاستحقاقات الداهمة على مستوى الصراع في هذه المنطقة وهذا ما حصل بالفعل من خلال لقاء المصالحة والمصارحة، والذي قرّر ترجمته عملياً بالانتقال إلى قصر بيت الدين لتمضية بضعة أسابيع في عرين الدروز من دون ان يعني ذلك ان الأزمة قد طويت وان الحياة عادت إلى طبيعتها في الجبل وعلى مستوى الحكم ولم يعد هناك من خوف على الأوضاع العامة في البلاد. فأي من التحليلين هو الأصح.