كتب حسين عبد الحسين في صحيفة “الراي الكويتية”:
في صيف 2016، وبرعاية وكيل وزارة الخارجية الاميركية ديفيد هيل، توصّل قطبان من اقطاب السياسة في لبنان الى تسوية انهت سنوات من الانقسام والفراغ الرئاسي والحكومي، وقضت التسوية بانتخاب حليف «حزب الله»، ميشال عون، رئيسا للجمهورية، مقابل عودة سعد الحريري رئيساً للحكومة.
منذ ذلك التاريخ، قدم عون، غالباً عبر صهره وزير الخارجية جبران باسيل، والحريري، خطاباً سياسياً موحداً، يرتكز حول مقولة مفادها بأن «حزب الله» – الذي ينخرط في صراعات اقليمية تمتد من اليمن الى العراق – ليس قضية داخلية لبنانية، بل قضية اقليمية وعالمية. وكرر باسيل والحريري القول ان لا قدرة لدولة لبنان على التعاطي مع ما تراه بعض عواصم العالم، وخصوصا واشنطن، مشكلة تستوجب نزع سلاح الحزب.
سياسة دولة لبنان، بقيادة عون والحريري، فرضت تعديلا على السياسة الاميركية تجاه لبنان: بدلاً من طلب واشنطن من بيروت ممارسة سيادتها باحتكار العنف وانهاء نشاطات الحزب خارج حدود لبنان، قررت الولايات المتحدة مواجهة ما تراها «مشكلة حزب الله» بنفسها، وخصوصا عن طريق فرض عقوبات مالية قاسية على مسؤولين في الحزب وحلفائه، حتى ان كان هؤلاء المسؤولون يشغلون مناصب رسمية في دولة لبنان.
يكرر مسؤولو ادارة الرئيس دونالد ترامب ان لا نية لدى الولايات المتحدة في تقويض استقرار لبنان ولا في اضعاف حكومته. «لكن ان كانت حكومة لبنان غير قادرة على ضبط حزب الله، سنقوم نحن (واشنطن) بذلك بدلاً منهم»، يقول مصدر رفيع المستوى في الادارة الاميركية.
واشنطن لن تفرض عقوبات اقتصادية، أي أن عقوباتها لن تستهدف مؤسسات في الدولة اللبنانية، لكنها ستفرض عقوبات مالية تقضي بتجميد الاموال المنقولة وغير المنقولة لمسؤولين في «حزب الله»، ومسؤولين من حلفائهم. كذلك، ستحصر مساعداتها بالمعونة السنوية للجيش، والتي تبلغ مئة مليون دولار، في اطار علاقة عسكرية بحتة بين الجيشين الاميركي واللبناني.
الحريري، الذي زار واشنطن، هو من القلة القليلة المتبقية من مسؤولي الجمهورية اللبنانية ممن لا يزالون يتمتعون ببعض الحظوة لدى المسؤولين الاميركيين، وممن يتم عقد اجتماعات رفيعة معهم. قبل الحريري، زار العاصمة الاميركية باسيل في سياق مشاركته في مؤتمر الدفاع عن حقوق الاقليات حول العالم، ومنها المسيحيون، وعانى من رفض اي مسؤول اميركي استقباله او اللقاء معه. وبلغت عزلة باسيل في واشنطن حد ان قام احد مراكز الابحاث بالغاء حوار على «طاولة مستديرة» معه.
لا يعتقد المسؤولون الاميركيون ان للحريري نفوذاً يذكر في رسم سياسات لبنان، وهو ما يعني انه غير قادر على التأثير فعليا في السياسة الخارجية او نشاطات «حزب الله». لكن الاميركيين لا يمانعون الاجتماع به لابلاغه بما ينوون فعله، بما في ذلك نيتهم استهداف عدد من الشخصيات اللبنانية بعقوبات مالية.
ويحاول الاميركيون «تفهّم» موقف رئيس الحكومة، وتفادي احراجه أو تعقيد مهمة قيادته «حكومة الوحدة الوطنية» التي يترأسها، لكنهم استمعوا الى مناشدات الحريري، الذي طالب بمنح لبنان المزيد من الوقت، وتأجيل استهداف أي من اللبنانيين بعقوبات، اذ من شأن ذلك ان يؤدي الى مزيد من انعدام الثقة بلبنان، وتاليا الى المزيد من الاهتزاز في الاقتصاد، الذي يواجه شبح الانهيار.
«هو لقاء بين اصدقاء تبادلوا وجهات النظر، لكننا لا نعتقد ان الحريري قادر على الايفاء بأي وعود لناحية ضبط حزب الله، وهو ما يفرض علينا التحرك من دونه، مع ضرورة الابقاء على قنوات التواصل معه مفتوحة»، يختم المسؤول الاميركي.