كتب د. علي عواد في اللواء:
فخامة الرئيس،
كتبتُ عنكم بموضوعية في كتابي)٣٩٩١) وقلتُ بمنهجية علمية وأمانة بحثية أنكم ستعودون يوماً الى لبنان وبالتأكيد بطلا لبنانيا. لماذا؟ لأنني قرأتُ هذا الأمر في مواقفكم الوطنية السياديّة في حينه بعد نفيكم الى فرنسا وفي تماهي بعض الضمير العام اللبناني الصلب مع تلك المواقف، كما في مواقف خصومكم الكيدية الارتجالية والمستنسخة وفي عِلْم صناعة الرأي العام السياسي…كتبتُ عنكم ذلك بجرأة بينما كانت ظواهر العنف والخوف والتبعية والارتهان تسيطر على الفضاء الأكبر من واقع العمل السياسي-الأمني. وبالفعل عدتم ذلك البطل في ٥٠٠٢ بشهادة أغلبية اللبنانيين في حينه.وقرأتم ما كتبته عنكم في كتابي هذا خلل لقاء على شرفة دارتكم في الرابية (٥٠٠٢) وتحدّثنا مطوّلاً حيث لمحتُ الرّضى والبهجة ودمع النرجسية يلمع في عيونكم، تذكرون ذلك بالتأكيد مثلما تذكرون أيضاً ما كتبناه بموضوعية حول مغزى أصداء (زمّور عون) من فوهات (بوابير التلحيم) لورش الترميم في قلب أجواء وزارة الدفاع الوطني (1٩٩٠)، وحول معنى الصورة الذهنية لشعارات (عون راجع) على الجدران الداخلية لمباني ومراحيض الوزارة ودوشات الحمام العسكري التي كانت تكتب تحت جنح الظلم (١٩٩٠)، والظلم يخبئ عادة المشهدية الصلبة من الرأي العام الكامن.
…وتوالت التحولات والتطورات عميقة وصعبة وبعضها جذري، ورصدتُ ظواهر ومجريات عهد ولايتكم الرئاسية بمقاربات موضوعية متجرّدة أيضا، فأرى اليوم الخيبة والانكسار والقلق في عيون الناس والغضب الصامت في ضميرهم العام والتشتت والضياع لدى (قادة الرأي!) كما النخب المثقفة، كما أرى الثقوب واسعة في مركب الدولة وسلطاتها وعلاقاتها الخارجية وملمح الفتن البكماء بين (شعوب) لبنان.
إن مسؤولية هذا (التدمير الوطني الشامل) وهذا الانتحار (الذاتي-الطوعي) الجماعي لا تقع فقط على فخامتكم وعهد ولايتكم الرئاسية كما نعلم من واقع (الأمر الواقع) و(فوائض) القوة والمصادرة والهيمنة والاستئثار ومن قواعد علم الرأي العام السياسي، بل تقع وبالتأكيد على بطانتكم أو على أغلبها، اللصيق منه والمتوسط، وعلى أحلم النوايا واعلاناتها! وتفاهماتها! وتسويات (المال-السلطة)! وأضغاث أحلامها وطموحاتها وأطماعها ونفاقها، وعلى الارث الثقيل الأسود القاتم المرير الدائم الأبدي السرمدي لحروب الآخرين وأمرائها وفسادهم.لقد رصدتُ هذه المسؤوليات عبر عدّة تجارب وعن كثب، ربما نتحدّث عنها يوماً وعلى الشرفة الصغيرة ذاتها.
… وأكتبُ اليوم بموضوعية وبشفافية كعادتي دون أية خلفية مقنّعة كحال الخطاب السياسي (البلدي!) الهابط:
(البطانة) يا فخامة الرئيس هي التي تعطيكم وتعطينا الدفء وليس قماش السترة، هي التي تؤمّن لكم ولنا القيادة الرشيدة والحكمة وسداد الرأي والقرار، والصدق والإيثار والعدل والكرامة والشفافية والأمانة والأمان وكلّ سائر القِيمْ الضرورية لمسار عمل (الدّولة!)، وهي التي تُطْلعُكم مع قهوة كلّ صباح على مواقف ومقامات ومقالات التأييد والدعم والإطراء والمديح و(تمسيح الجوخ) مثلما تطلعكم على مواقف ومقامات ومقالات النقد الصادق والتقويم السويّ والمعارضة الوطنية الموضوعية النظيفة البناءة، تطلعكم بذهنية رجل الدولة على حال (شعوب!) لبنان و(الدولة!) دون أية شخصانية سلطوية واستكبار فارغ.وقد قرأت منذ أيام ما مفاده أن هناك بعض المحللين السياسيين الجديين يخشون ان لا يصلكم مع قهوة الصباح الا العسل والطيب والبخور والمضمون الاعلامي الوردي فقط، وخطابك السياسي مؤخراً في عيد الجيش هو دليلهم على ذلك.
فخامة الرئيس،
أصدقك القول اليوم كما في العامين 1993 و5002 وفي لقاءات متباعدة معكم: إسترجِعْ فيما تبقّى من عهد ولايتك الرئاسية صورة ذلك البطل العائد الى لبنان، صورة تحتاج بالتأكيد الى بطانةٍ استثنائية قادرة بتوجيهاتك على وضع خريطة إنقاذ لبنان وعمادُها الاساسي والوحيد الأوحد: الحوار (الوطني- الوطني)، خريطة تنبع من خبرتك ودروسها ومن محبة خالصة لوطن الأرز ولشعب لم يعد عظيما بل أضحى(شعوبا) مُتعبة مهشّمة محبطة خزفية وضائعة في أرضها.
تأهّبْ يا فخامة المحارب المؤتمن على الدستور كما تأهبت للوطن وفق رؤيتك في ظروف حالكة ووجّهْ الدعوة الى رجال السلطات(؟!) وقادة (شعوب!؟) ومكوّنات لبنان ونُخبِهِ لتتحمّل مسؤولية هذا الحوار من أجل حماية الدستور وتحقيق الوحدة الوطنية والميثاقية والاصلاح والسلم الأهلي وقيامة الدولة بل استعادتها على ركائز الحقيقة والمصالحة!
كُنْ وبقوةِ الدستور الحكم العادل على(حلبة!؟) طاولة مؤتمر الحوار الوطني القادم وفق انموذج (جوهانسبورغ) الرائد، حين خاطب نلسون مانديلا العالم قائلا: (ان أتباع النظام السابق مواطنون ينتمون الى هذا البلد، ونعتبر أن احتواءهم هو أكبر هدية للبلد، لا يمكن جمعهم ورميهم في البحر، إن لهم الحق في التعبير عن أنفسهم. إن النظر إلى المستقبل بواقعية أهم بكثير من الوقوف عند الماضي المرير.أذكر جيدا أني عندما خرجت من السجن كان أكبر تحدّ واجهني هو أن قطاعا واسعا من السود كان يريد أن يحاكم كل من كانت له صلة بالنظام السابق، لكنني وقفت دون ذلك، وبرهنت الأيام أن هذا الخيار كان الأمثل ولولاه لانجرفت «جنوب إفريقيا» إما إلى الحرب الأهلية أو إلى الديكتاتورية من جديد.لذلك شكلتُ «لجنة الحقيقة والمصالحة» التي جلس فيها المعتدي والمعتدى عليه وتصارحا، إنها سياسة مرّة لكنها ناجعة(.هذا ما جعل قصة جنوب إفريقيا اليوم واحدة من أروع قصص النجاح الإنساني.
فخامة الرئيس،
أرسلْ الدعوات فوراً ودون ابطاء الى عقد هذه الطاولة البيضاوية التي ستحتضن (هيئة الحقيقة والمصالحة)، وأرجوك أن توصي المدعوين أن يكونوا جديين وأن لا يضحكوا أو يقهقهوا أمام الكاميرات لدى دخولهم الى (قصر الشعب!) وخروجهم منه لأن الوطن ليس بخير والشعب (مضروب على رأسه) وليس من داع لقهقهات تسويقية فاسدة شاحبة وممجوجة.
كُنْ «الحكم – الحكم» وضعْ جميع (القادة!) أمام مسؤولياتهم التاريخية لانجاح الحوار الوطني المؤسس لثوابت وطنية نراها جلية واضحة في الدستور وفي موروثات جلسات الحوار السابقة منذ العام 6002وحتى العام 2012.
وبعد كل ذلك، آن لك أن تستحقَّ استراحة المحارب بعد أن تأهّبت طويلاً ووثبت وسدّدت ورميت وأصبت وأخطأت وقاتلت وقوتلت وتقدّمت وتراجعت وهاجمت ودافعت وهَزمت وهُزمت وغضبت ورضيت وعملت جاهداً – وفق رؤيتك – لأجْلِ لبنان الذي أقسمت على الذّود عنه مرتين.
#الدولة_منظومة_قِيمْ