كتب نجم الهاشم في صحيفة “نداء الوطن”:
قبل 15 أيلول المقبل سيتكرر ما حصل في 27 آب 2015 عندما تم اختيار باسيل رئيساً بالتزكية “للتيار” نزولا عند رغبة رئيس “التيار الوطني الحر” السابق المؤسس العماد ميشال عون الذي كان يتحضر لخوض الإنتخابات الرئاسية ويحضر زوج ابنته شانتال لخلافته خصوصاً بعد طلبه عدم ترشح أي شخص آخر.
ولكن تنصيب باسيل رئيساً “للتيار” لم يمر وقتها مرور الكرام. فقد كان هناك من يريد أن يترشح وأعلن عن رغبته صراحة كالنائب ألان عون وكانت هناك معارضة حزبية لاختيار باسيل ولكن مونة الجنرال أزاحت كل ما كان يمكن أن يعترض طريقه وأبعدت المعترضين عن “التيار” وجعلت الآخرين يرضخون ويقبلون النتيجة ولو على مضض بانتظار فرصة ثانية.
في 15 أيلول المقبل لن تكون هناك فرصة ثانية أيضاً. فالجنرال الذي صار رئيساً للجمهورية في 31 تشرين الأول 2016 لا يزال يمون ولا يزال المرجع الأول والأخير للمحازبين والمناصرين وعند رغبته تنحني الهامات والرؤوس وترفع الأيادي بالموافقة على التمديد لباسيل الذي يلعب هذا الدور القيادي في ظل رئاسة الرئيس عون.
حتى النائب ألان عون مثلاً أعلن أنه “يملك الأهلية والجهوزية وحتى الإستعداد لرئاسة “التيار الوطني الحر” ولكن هناك استمرارية للواقع الحالي وليست هناك ظروف تستدعي التغيير”، معتبراً أنّ “الظروف الحالية تستدعي أن يكون الواقع كما هو عليه ونحن ارتضَينا به… واليوم هناك عهد على رأسه العماد عون وهو عملياً اتخذ خيارات معينة بخاصة في الموضوع الحزبي، فلماذا معاكسته إذا أراد اختيار أدوات عمله بنفسه وبملء إرادته وهذا الزمن هو زمن الرئيس عون وهو قائده الفعلي، هناك رئيس جمهورية يريد تكملة عهده ضمن هذا الواقع، وهذا الواقع سيستمر بعدة الشغل ذاتها وفريق العمل نفسه”.
النائب زياد اسود أيضاً اعتبر أنه “لا داعي لهذا الفولكلور الديموقراطي أو السياسي طالما أن باسيل قام بأقصى واجباته”. وأنه لن يترشح أبداً.
هي إذا مسألة “عدة شغل” و”أدوات عمل” كما قال النائب عون يحتاجها الرئيس عون لمعاونته لإكمال ولايته. فهل بعد انتهاء هذه الولاية يحين الوقت للتجديد داخل “التيار”؟
التجديد قد يحصل في حال كانت هناك مرحلة جديدة كلياً. وصول باسيل إلى رئاسة “التيار” كان لمناسبة التحضير لانتقال العماد عون من الرابية إلى قصر بعبدا. وبالتالي لا رئيس آخر “للتيار” طالما لم ينتقل باسيل إلى قصر بعبدا وهو الهدف الرئيسي الذي يضعه نصب عينيه في سباق طويل بدأه باكراً جداً. وإذا كان العماد عون رسم له طريق رئاسة “التيار” فهو لا يملك القدرة على رسم طريق وصوله إلى بعبدا. فالتوريث السياسي في رئاسة “التيار” لا يمكن أن يصير توريثاً سياسياً في رئاسة الجمهورية.
بين رئاسة “التيار” ورئاسة الجمهورية
منذ آب 2005 عمل باسيل على أن يثبت كفاءته الشخصية في قيادة “التيار”. ولكنه دائماً بقي في ظل الرئيس المؤسس. حاول ألا يكون له معارضون داخل الحزب ونجح في ذلك إلى حد كبير وحاول أيضا أن تكون له جماعته أو عدة الشغل وأدوات العمل من رجال الأعمال والمناصرين والنواب والحلفاء كما قال النائب ألان عون. ولكن هل ما قام به يكفي لاعتبار أنه بات قائداً “للتيار” أم أنه يبقى على رأس “التيار” بفعل التزكية الممددة له من الرئيس عون الذي يحرص على بقائه في الصف الأول متقدماً على غيره، ورجل العهد الأول، أو عرابه، الذي لا يمكن أن يكون هناك أي قرار يوافق عليه عون إلا إذا كان باسيل موافقاً؟
في الحفل الذي أقامه “التيار الوطني الحر” في 7 آب الحالي ليضع فيه رئيسه باسيل حجر الأساس لمقره الرئيسي في الضبيه في أرض تملكها الرهبانية اللبنانية المارونية، أراد باسيل أن يجعل من هذا الإحتفال بمثابة استنهاض لوضعه السياسي بعد الإنتكاسة التي تعرض لها بعد حادث البساتين. ولكنه أعلن فيه ترشحه لرئاسة “التيار” ودعا المعارضين إلى الترشح طالباً بدء جمع التبرعات لبناء المقر.
طالما شكل تاريخ 7 آب 2001 محطة من محطات نضال مناصري “التيار الوطني الحر” في ظل عهد الوصاية. ولكن كثيرين ممن رافقوا تلك المرحلة يعتبرون أن معظم هؤلاء باتوا عملياً خارج “التيار” وهم يأخذون على باسيل أنه لم يكن وقتها من الأساسيين في ذلك النضال.
دور باسيل الرئيسي داخل “التيار” بدأ عملياً بعد 7 ايار 2005 تاريخ عودة العماد عون إلى لبنان من منفاه الباريسي بعد 15 عاماً من الغياب. لم يعش باسيل ظروف المنفى كعدد من القيادات العونية التي رافقت عون في زمن الحكومة العسكرية بين العامين 1988 و1990. وكان ينشط بين لبنان والمنفى خصوصاً بعد زواجه من ابنة العماد عون شانتال العام 1999 ولكن هذا الأمر لم يعطه أن يتبوأ المقدمة بين قيادات “التيار” في ظل القائد الأكبر الوحيد العماد عون. بعد 7 أيار 2005 بدأ باسيل مساراً جديداً. ترشح إلى الإنتخابات عن دائرة البترون في العام 2005 ولم يحالفه الحظ وكرر المحاولة في انتخابات 2009 عن الدائرة نفسها وحصد نفس النتيجة حتى كانت الثالثة ثابتة في انتخابات 2018. ولكن بمعزل عن النتائج الإنتخابية فقد صار باسيل وزير “التيار” الأول في الحكومات التي تشكلت من العام 2008 بعد انتخاب العماد ميشال سليمان رئيساً للجمهورية. بدأ وزيراً للإتصالات ثم وزيراً للطاقة العام 2009 ووزيراً للخارجية العام 2014 ولا يزال في هذا الموقع.
ولكن ثمة تاريخ فاصل في مسيرة باسيل وهو انتخاب العماد عون رئيساً للجمهورية. قبل هذا التاريخ كان باسيل شيئاً وبعده صار شيئاً آخر. صحيح أن عون سلمه رئاسة “التيار” ولكنه منذ وصوله إلى بعبدا بدأ باسيل يتصرف على أساس أن عون سيلسمه الرئاسة ايضاً.
عهود وعرّابون
في 18 كانون الثاني 2016 انتظر العماد عون في الرابية حتى وقّع باسيل في معراب على التفاهم والإتفاق السياسي. بعد ذلك انطلق عون تحت المطر والعواصف لينضم إلى هذه المشهدية التي وضعت حجر الأساس لوصوله إلى بعبدا. لم تكن في تلك اللحظة لدى باسيل تحفظات على ما تمّ التفاهم عليه ولكنه بعد وصول العماد عون إلى الرئاسة بدأ يتغير لأنه اعتبر، حسب بعض معارضيه، أنه لا يهتم كثيراً لنجاح عهد عون أكثر مما يهتم لجعل هذا العهد مطية لوصوله هو وجسراً لعبوره إلى رئاسة الجمهورية. ولكن لا توجد سابقاً أي قاعدة ليكون عراب العهد خليفته. بالإضافة إلى أن ثمة رؤساء للجمهورية ما كانوا بحاجة إلى عرابين لأنهم كانوا هم يختصرون عهودهم.
الرئيس بشارة الخوري مثلاً ناء تحت أعباء شقيقه سليم الذي كان عراب العهد والعنوان الذي تلصق به تهم الإستفادة على حساب العهد ومحاولة بناء شبكة من المستفيدين حوله وهو أضرّ بالعهد ولو كان استفاد شخصياً. ولكن على رغم كل ما فعله فقد كان سقوط العهد في انتفاضة 1952 السلمية سقوطاً له، بحيث لم تظهر له زعامة بعد ذلك ولا تمكن من لعب أي دور.
كميل شمعون الذي خلف بشارة الخوري كان هو نفسه سيد عهده. بعده كان هناك رجال عهد ولكن لم يكن من بينهم أبداً من يمكن اعتباره، أو يمكن أن يعتبر هو نفسه، أنه كان عراب العهد. كميل شمعون ذهب إلى تحقيق الإنجازات ولم يهتم باختيار خليفة له. خلال ستة أعوام فقط كان مطار بيروت وكان كازينو لبنان والمدينة الرياضية وسد القرعون ومهرجانات بعلبك ومعامل الكهرباء والأوتوسترادات ومصالح المياه ومؤسسات الدولة وقانون سرية المصارف وغيرها الكثير وعلى رغم كل ذلك انتهى عهده بثورة.
بعده مع فؤاد شهاب كانت الشعبة الثانية هي عرابة العهد ولكن من دون أن تتجاوز من بقي سيد العهد وسيد الجيش وباني المؤسسات والإدارة. حتى بعد انقلاب الحزب “السوري القومي الإجتماعي” آخر العام 1961 لم يسمح شهاب بتفلت عمل المخابرات، وكان بإمكان قاض مدني كإميل أبو خير أن يقف في وجه ضباط المحكمة العسكرية. وإن كان شهاب أعلن عزوفه عن التمديد فقد لعب دوراً رئيسياً في اختيار خلفه ولكن هذا الخلف لم يكن من العائلة أو من الحاشية بل كان وزيراً مشهوداً له بالمناقبية ومثقفاً وفرنكوفونياً وصحافياً هو شارل حلو، الذي حاولت الشعبة الثانية خلال عهده أن تكون عرابة العهد وتتجاوزه لتجعل من شهاب مرجعها الدائم، وهذا الأمر لم يمنع الحلو من أن يكون مرجعاً لنفسه وعراباً لنفسه عندما تجاوز الشعبة الثانية لإنجاح ريمون إده في الإنتخابات النيابية الفرعية في العام 1965 بعدما أسقط في العام 1964، ولدعم الحلف الثلاثي الذي تشكل من ريمون إده وكميل شمعون وبيار الجميل في انتخابات العام 1968.
كانت الشعبة الثانية تريد إيصال الياس سركيس في العام 1970 ولكن شارل حلو لم يتدخل أيضاً، وبالتالي وصل سليمان فرنجية الذي شهد عهده في بدايته صعود نجم نجله طوني وكان فيه دور لشقيق صهره لوسيان دحداح. ولكن العراب الحقيقي في عهد فرنجية كان الرئيس كميل شمعون خصوصاً بعد بداية الحرب عندما تحول شمعون إلى ما يشبه رئيس الظل من موقعه كرئيس للجبهة اللبنانية في العام 1975 والعام 1976، وقد أقام لفترة في قصر بعبدا.
عندما فاز الياس سركيس في انتخابات 1976 المبكرة لم تكن لديه حاشية. حاشية الرئيس كانت مكونة من معاونين له ولكن كان لعهده عرابان أساسيان من دون أن يطغيا عليه هما وزير الخارجية فؤاد بطرس ومدير المخابرات جوني عبدو. وكما أتى من دون حاشية غادر سركيس من دون حاشية مساهماً في وصول الرئيس بشير الجميل ومن دون أن يكون له دور أساسي في انتخاب الرئيس أمين الجميل خلفاً لشقيقه بعد اغتياله.
على عهد الرئيس الجميل تبدلت أدوار المقربين مع تبدل المراحل حتى ختم ولايته بتسليم البلاد إلى العماد ميشال عون رئيساً للحكومة العسكرية. منذ تسلمه السلطة تصرف عون على أساس أنه القائد ولا شريك له إلا في ما خص بعض الضباط في المؤسسة العسكرية وبعض السياسيين.
بعده مع الرئيس الياس الهراوي كانت المسألة مختلفة. انتهى زمن “الرؤساء القادة” ليبدأ مع عهد الوصاية دور الرؤساء المنتخبين بالتعيين. عراب عهد الياس الهراوي كان غازي كنعان في عنجر. وإن كان صهره فارس بويز لعب دوراً رئيسياً طوال العهد الأساسي والممدد، إلا أنه لم يرتق إلى مرتبة العراب لأن العهد نفسه لم يرتق إلى مرتبة العهد. وكما مع الياس الهراوي كان الحال مع خلفه العماد أميل لحود. صحيح أن صهره الياس المر لعب دوراً أساسياً لكن دور العراب الرئيسي بقي نظام الأسد في سوريا.
الرئيس ميشال سليمان تحرر من الوصاية السورية ولكنه في بداية عهده ساير “حزب الله” قبل أن يسقط من أدبياته ثلاثية الجيش والشعب والمقاومة ليحولها من معادلة ذهبية إلى معادلة خشبية، وهو لم يؤخذ عليه أبداً أنه كان ليسمح في عهده بوجود عراب للعهد.
الطريق إلى الرئاسة
مع الرئيس ميشال عون بدت مسألة عراب العهد معلنة ومكشوفة ومن دون خجل. في طريقه إلى رئاسة “التيار” أسقط الوزير جبران باسيل ضحايا كثيرة. وفي طريقه إلى رئاسة الجمهورية يحاول أن يسقط أيضاً ضحايا كثيرة. إذا كان العماد عون يستطيع أن يزكيه رئيساً “للتيار” فإنه لا يستطيع أن يجعل منه رئيساً للجمهورية. لأن الرئيس عون إذا كان يمون على تياره فإن مونته على المؤثرين في انتخاب الرئيس غير مؤثرة. لقد أعلن الرئيس عون في آب 2018 أن الحملة على العهد سببها السباق الى رئاسة الجمهورية، ولأن الوزير جبران باسيل يقف على رأس هذا السباق. كان يتبنى ترشيح باسيل ويدعمه. وكأنه أيضاً يخوض له معركته أو يتركه يخوضها بمباركته ورعايته. وربما يريد أن يتأكد من ضمان وصوله قبل انتهاء ولايته. ولكن من خلال الممارسة يبدو أن العهد دولاب مع باسيل. ساعة يدور في اتجاه الرئاسة وساعة يدور عكس ذلك. بعد حادث قبرشمون والبساتين دار إلى الوراء دورة كاملة.
وإذا كان باسيل يضع سلسلة أهداف ليحققها في مسيرته الرئاسية إلى قصر بعبدا من خلال ما يقوم به من نشاطات للإمساك بمقاليد السلطة في مجلس الوزراء واحتكار التعيينات والتدخل في إدارة الدولة والمؤسسات وصولاً إلى مؤسسة الجيش وسائر القوى الأمنية فإنه يحاول أن يسقط المنافسين له المحتملين والجديين. وإن كانت هناك أسماء معلنة ومكشوفة، أبرزها الدكتور سمير جعجع والوزير السابق سليمان فرنجية، إلا أنه من المستغرب أن يتم وضع قائد الجيش العماد جوزف عون في خانة المستهدفين إن كان مباشرة من باسيل أو ممن يمكن أن ينوب عنه. وآخر هذا الإستهداف يتعلق بما يقال عن الدور المتوازن الذي قام به الجيش في أحداث قبرشمون حيث كان ينتظر فريق باسيل أن يتولى هذا الجيش قمع مناصري الحزب “التقدمي الإشتراكي” لتسهيل مرور باسيل.
في خضم كل الصخب الذي يرافق نشاط باسيل الرئاسي وغير الرئاسي هناك سؤال لا توجد بعد إجابات عليه: ماذا إذا قرر الرئيس ميشال عون أن يستقيل قبل انتهاء ولايته إذا اعتبر أن هذه الإستقالة يمكن أن تخدم وصول باسيل؟
وعلى ضوء صعوبة حصول هذا الأمر يريد باسيل أن يكون فوزه برئاسة “التيار” بالتزكية، تزكية له من “التيار” ومن أنصار “التيار” والعهد الذين ينظر إلى عدد منهم كمنافسين محتملين له في سباق الرئاسة، وبعض هؤلاء من نواب تكتل لبنان القوي والذي أراد لهم أن يكونوا من عدة شغل العهد فقط لا غير.
قبل 15 أيلول المقبل سيتكرر ما حصل في 27 آب 2015 عندما تم اختيار باسيل رئيساً بالتزكية “للتيار” نزولاً عند رغبة رئيس “التيار الوطني الحر” السابق المؤسس العماد ميشال عون.