كتب أنطوان الأسمر في “اللواء”:
كان لافتاً التشويش الذي سبق، ومن ثم رافق سعد الحريري في زيارته الأميركية: إيراني من خلال التصريحات المتكررة في توقيت مريب لمسؤولين إيرانيين سياسيين وعسكريين اعتُبرت قنصا على الزيارة، وطهران لا تفوت فرصة لوضع لبنان في دائرة تأثيرها؛ وثانٍ محلي ناتج إما من النكد السياسي المحض، وإما من رغبة بعض القوى السياسية في التأثير في لقاءات الحريري من باب ترويج معلومات لم يثبت حتى الآن صحتها عن عقوبات تستهدف التيار الوطني الحر، أي شق التوأم في التفاهم الرئاسي، العامل الأساس في الاستقرار النسبي الحاصل رغم كل الزعم والانتقاص والانقضاض ومحاولات الاجهاض.
أ- ليس واضحا بعد ما الفائدة التي قد يجنيها الإيرانيون – عبر تكرار المجاهرة بمسألة التأثير في القرار اللبناني – من التضييق على رئيس الحكومة المتمسّك أشد تمسّك بكل عامل من شأنه تثبيت الاستقرار المحلي وتصليب العمل المؤسسي بما يؤدي الى ترييح الداخل وإبعاده عن المؤثرات السلبية الخارجية بما فيها الصراع في الإقليم، في موازاة استمرار ربط النزاع مع حزب الله، لا بل ما يتعدى مجرد الربط هذا الى تناغم وتلاقٍ ولو غير مباشر في الكثير من الملفات والعناوين الخلافية، وآخرها قضية البساتين. وليس سرا أن الاستقرار يشكل مساحة مشتركة بين الحريري وحزب الله، يعمل الطرفان كل من موقعه على تعزيزه، مع حرص لافت من حزب الله على الموقع السياسي لرئيس تيار «المستقبل» بصرف النظر عن اعتبارات الخصومة المعلنة أصلا. ولا داع للتذكير بأن الحزب صوّت لمصلحة قانون الموازنة العامة للمرة الأولى في عمله السياسي والتشريعي، رغبة منه في توفير كل الظروف الملائمة لتعزيز الاستقرار ومنع انهيار الدولة اقتصاديا وماليا، رغم اتهامه مما تبقى من قوى 14 آذار بأنه لا يوفر ظرفا لتقويض هذه الدولة!
تأسيسا على هذه القراءة، لطهران مصلحة مباشرة في كل ما يؤمّن الاستقرار المحلي ويحد من الخلافات السياسية والمذهبية، ويبقي ربط النزاع بين تيار المستقبل وحزب الله على ما هو عليه من خلاف ناعم تحت سقف الاستقرار.
ب – في المقابل، يبدو أكثر من جليّ مصلحة أفرقاء محليين في الاستمرار في استهداف التفاهم الرئاسي، بجذريه رئاسة الجمهورية والتيار الوطني الحر. يتخذ هذا الإستهداف أشكالا عدة، بدءا وليس إنتهاء بعدم تفويت فرصة للعمل على تغذيته ورفده بكل عناصر الشقاق بين جذريه من جهة والجذر الثالث، رئاسة الحكومة. وليس أدل على ذلك من خيبة الأمل التي أصابت هؤلاء الأفرقاء المحليين نتيجة لقاء المصارحة والمصالحة في بعبدا وما خرج به من مفاعيل سياسية وإقتصادية صوّبت نسبيا الإنتظام في العمل المؤسسي والحكومي، ويؤمل أن ينعكس إيجابا على ما هو آت من تصنيفات مالية دولية (ستاندر إند بورز وموديز وأخواتهما).
جـ – مع إدراك رئيس الحكومة أن شهر آب، الذي هو بمثابة إجازة مفتوحة للمسؤولين في الإدارة الأميركية، لن يتيح له توسيع مروحة اللقاءات نحو البيت الأبيض (ربطا بما قيل عن لقاء مع نائب الرئيس مايك بنس)، استنح الفرصة لبعض اللقاءات السياسية، الى جانب إجتماعه البروتوكولي – العملي بالرئيس الجديد للبنك الدولي دايفيد مالباس، ليوظّفها في سبيل التشديد اللبناني الإجماعي على أهمية تثبيت وتعزيز الاستقرار السياسي والابتعاد عن كل ما من شأنه تقويضه. وهذا المسعى الحريري يتناقض تماما مع الـWishful Thinking لدى البعض لخلط أوراق محلي يقضي على التفاهم الرئاسي من باب الترويج لعقوبات قريبة على مسؤولين في التيار الوطني الحر، وهو الأمر الذي لم يلمسه أصلا رئيس الحكومة في لقاءاته في واشنطن وخصوصا مع مساعد وزير الخزانة لشؤون مكافحة تمويل الارهاب مارشال بيلينغسلي، المحرك الأساسي لاستراتيجية العقوبات، والدماغ النابض لها، فيما خرج لقاؤه بوزير الخارجية مايك بومبيو بموقف أميركي داعم للإستقرار بما يعني نفيا لوجود توجه في واشنطن لعقوبات خارج حزب الله ودوائره، وأن ما يهمّها حصرا إستكمال الحصار على الحزب.
د – أما ممتهنو النكد السياسي من بعض القوى الملحقة، فتحدثوا عن استدعاء للحريري وعن إملاءات وما شاكل من كلام رُمي على عواهنه، وهو أقل ما يقال فيه انه غير مسؤول ويجافي الحقيقة. فالرجل في الاساس ذاهب الى واشنطن لمواكبة إلتحاق إبنته لولوة في جامعة واشنطن وللوقوف عند حاجاتها في سنتها الأكاديمية الاولى. ولم تكن في اجندته أي لقاءات سياسية لولا مبادرة مسؤولين في الادارة الاميركية الى طلب الإجتماع به.