كتب جوني منير في “الجمهورية”:
أظهرت نتائج حادثة قبرشمون الدموية بوضوح تمسّك الطرفين الأقوى تأثيراً بالواقع اللبناني، أي «حزب الله» والولايات المتحدة الاميركية، بالاستقرارين الامني والسياسي وحماية الحكومة. وتكشف المعلومات أنّ صدور البيان الاميركي ترافَق مع ضغوط مالية أثّرت في سعر صرف الليرة اللبنانية، وهو ما فهمه الجميع وذَهبَ الى التسوية.
وفي إحدى الرسائل الاميركية الثلاث، من خلال إصدار بيان السفارة الاميركية وتعميمه، التمسّك والمحافظة على التوازنات السياسية والحرص على عدم إلغاء أحد، إستناداً الى شعور البعض بفائض القوة الذي يتمتع به «حزب الله».
وفي المقابل حملت كلمة الأمين العام لـ«حزب الله» السيد حسن نصرالله عدداً من المواقف حول هذه النقاط بالذات، حين قال إنّ «حزب الله» لا يتصرّف في لبنان من موقع المنتصر، وانه يريد ان يتعاون الجميع بعضهم مع بعض. ومن ثم انتقلَ للتأكيد أنّ المطلوب ألّا يلغي أحد أحداً، مشيراً الى الذين لا يريدون الآخرين في ساحاتهم وطوائفهم.
ومن الواضح انه كان يؤشّر هنا الى الحصار الذي يتعرض له الفريق المتحالف معه على الساحتين السنية والدرزية، والذي يتعرض للاقصاء من الفريقين الوازنَين.
في المحصّلة، كان السيد نصرالله يؤكد قراره بالمحافظة على توازنات المعادلة اللبنانية، والأهم حماية الحكومة اللبنانية وبالطبع وجود الرئيس سعد الحريري على رأس هذه الحكومة من خلال الجهود التي مارسها لإنهاء حادثة قبرشمون والوصول الى التسوية التي حصلت.
صحيح انّ لـ«حزب الله» مصلحة في حماية الاستقرار الداخلي السياسي والامني في هذا التوقيت بالذات وسط الكباش الاميركي – الايراني القاسي والخطير، وهو ما يستوجب عدم كشف الساحة اللبنانية، الّا انه لا بد من قراءة جانب آخر من رسائل «حزب الله» التي أراد توجيهها.
قرأت أوساط ديبلوماسية غربية في رسائل «حزب الله» أنه حريص على ضبط اللعبة في لبنان وفق الشروط المعمول بها حالياً، وانه ملتزم استمرار عمل هذه الحكومة التي ولدت على أساس مباركة اميركية لها، وبطبيعة الحال موافقة «حزب الله» عليها، والاستمرار في حماية وجود سعد الحريري على رأسها وعدم السعي لإسقاطه وإبعاده. وبالتالي، فإن الديبلوماسية الاميركية قرأت ايجابية رسائل «حزب الله»، خصوصاً ان امام هذه الحكومة برنامج عمل حافلاً.
وبخلاف التحليلات المبالغ فيها، والتي سبقت زيارة الحريري لواشنطن، بَدا وزير الخارجية الاميركية هادئاً بعض الشيء في مقاربته الملف اللبناني. وهو بذلك أكد من جديد أنه لا وجود لمشروع عمل أميركي في لبنان، او بمعنى أوضح «ورشة» على غرار ما حصل عام 2005 والمرحلة التي تَلت. وهو بذلك اراد، من خلال لقاء الحريري مرتين، التأكيد على حماية موقعه داخل التركيبة السياسية اللبنانية وإعطائه جرعة دعم هو في حاجة اليها.
في أي حال، إنّ بقاء الحريري في رئاسة الحكومة يشكل احدى نقاط التلاقي، ولو من بعيد، بين واشنطن و»حزب الله». المهم انّ الحريري العائد من زيارته واشنطن سيعمل على حماية المعادلة السياسية الداخلية بنكهتها الخارجية، في وقت باشَر «حزب الله» بفتح أبواب أسواره لزعيم الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط، فيما باشَر رئيس الجمهورية في خطة انفتاحه على جنبلاط، والتي وصلت الى حَد زيارته قصر المختارة وقضاء «ليلة عائلية»، وهو ما اعتبره كثيرون خطوة فيها شيء من المبالغة، والتي أتَت بعد مواجهة رئاسية معه على أساس وجود كمين يستهدف الوزير جبران باسيل، حملت بدورها بعض المبالغة.
ويعود الحريري لإطلاق عمل الحكومة، التي تعرضت لضربتين كبيرتين ستتركان من دون أدنى شك آثاراً سلبية على إنتاجيتها.
الضربة الاولى تمّت بالمماحكات التي أخّرت ولادتها 9 اشهر، والتي ارتكزت في بعض جوانبها على حسابات ضيقة. والضربة الثانية المتمثّلة بحادثة قبرشمون والنتائج التي خلصت اليها.
وما بين الضربتين إقرار موازنة عام انقضى اكثر من نصفه، وتتضمن بنوداً غير واقعية او حقيقية. لكنّ هذه الحكومة مُلزمة إعادة تشغيل محركاتها بأقصى قوتها، حيث انّ ملفات اساسية تنتظرها، ولو من خلال صيغة «ترويكا مهذّبة». فهنالك اولاً الوضعان الاقتصادي والمالي، والمدخل اليهما عبر ورشة مشاريع «سيدر». صحيح انّ موازنة عام 2019 شكلت نكسة غير معلنة، الّا انّ المطلوب البدء جدياً بالتحضير لموازنة متقشفة وجدية للعام 2020.
والملف الثاني هو ملف التعيينات بكافة تفاصيله الصعبة والمتفجّرة، لكن مع إعلان السيد نصرالله رفض إلغاء أحد في ساحاتهم وطوائفهم، فإنّ معياراً واضحاً سيجري اعتماده وتعميمه على الجميع، ما سيشكّل نكسة لكل القوى الكبرى داخل الطوائف، والتي كانت تبحث عن احتكار تمثيلها داخل الادارة.
والملف الثالث، وهو الأكثر إلحاحاً بالنسبة للمواطنين، يتعلق بإيجاد حلول لملف النفايات، بعدما سقطت كل الطروحات حتى الآن، وبَدا انّ الدولة عاجزة عن ايجاد حل لملف شديد الحساسية ويمكن ان يدفع بالناس الى الشارع.
أمّا الملف الاكثر أهمية بالنسبة لواشنطن فهو المتعلق بترسيم الحدود البرية والبحرية جنوب لبنان، والذي سيليه على ما يبدو بدء ترسيم الحدود بين لبنان وسوريا والعمل على إخضاعها لضوابط مُحكمة، ولكن بالتوازي مع بدء المفاوضات الاميركية – الايرانية بعد انتهاء فترة «الكباش» الحاصلة. وربما بموازاة فتح قنوات التواصل بين واشنطن و«حزب الله».