كتب البروفسور جاسم عجاقة في “الجمهورية”:
تتجّه أنظار اللبنانيين إلى اجتماع الحكومة هذا الأسبوع، لمعرفة محتوى جدول أعمالها الإقتصادي والمالي والقرارات التي تنوي إقرارها، خصوصًا بعد لقاء بعبدا المالي الإقتصادي في 9 آب الجاري. وإذا كانت مشاريع «سيدر» من بين البنود التي ستحتلّ الصدارة، إلا أنّ تطبيق قرارات ورقة بعبدا المالية الإقتصادية، تبقى الأكثر أولوية نظرًا لتداعياتها الإيجابية.
تحوي ورقة بعبدا المالية والإقتصادية مجموعة من الخطوات التي وصفها الرئيس سعد الحريري بالخطوات الأساسية. وتتضمّن: إقرار موازنة العام 2020 في مواعيدها الدستورية؛ الإلتزام بتطبيق دقيق لموازنة 2019 والإجراءات المُقرّرة فيها وتوصيات لجنة المال والموازنة؛ وضع خطة تفصيلية للمباشرة بإطلاق المشاريع الاستثمارية المقررة في مجلس النواب والبالغة 3.3 مليارات دولار، بعد إقرار قانون تأمين الاستملاكات لها، اضافة الى مشاريع «سيدر»؛ الإلتزام بالتطبيق الكامل لخطة الكهرباء بمراحلها المختلفة؛ إقرار جملة القوانين الاصلاحية لاسيما منها المناقصات العامة، التهرّب الضريبي، الجمارك، الإجراءات الضريبية، والتنسيق مع لجنة تحديث القوانين في المجلس النيابي؛ تفعيل عمل اللجان الوزارية، خصوصاً في ما يتعلق بإنجاز إعادة هيكلة الدولة والتوصيف الوظيفي؛ إستكمال خطوات الاصلاح القضائي وتعزيز عمل التفتيش المركزي وأجهزة الرقابة والتشدّد في ضبط الهدر والفساد والإسراع في انجاز المعاملات؛ وإعادة النظر بالمؤسسات غير المجدية والغاؤها وفقاً لما تقرّر في القوانين السابقة.
• هذه الخطوات تُعتبرّ إصلاحية على مستويين:
الأوّل – من ناحية النهج المُتّبع من قبل السلطة السياسية في إدارة الشؤون المالية للدوّلة اللبنانية، حيث نرى أنّ الخطوات الآنفة الذكر كلها خطوات كان يتوجّب على الحكومة القيام بها منذ زمن بعيد. ولكن كما يقول المثل «خطوة متأخّرة أفضل من غيابها» خصوصًا أنّ هناك إشكالية كبيرة في نهج الإدارات العامّة وأصحاب القرار، والتي ادّت إلى غياب كلّي للحوكمة الرشيدة.
من هنا يُمكن القول إنّ معظم الخطوات الواردة في ورقة بعبدا المالية هي بداية أكثر من جيدة نحو الحوكمة الرشيدة للإدارة المالية للدوّلة اللبنانية والقطاع العام.
الثاني – من ناحية التداعيات المالية، فهذه الخطوات هي التي يُطالب بها المُجتمع الدولي والإقتصاديون، وتُشكّل وحدها ضمانة (في حال تنفيذها) لمحو عجز الموازنة وتسجيل فائض على الأمد المُتوسّط إلى البعيد. فالفساد الذي يعصف بمؤسسات الدولة وإداراتها له تأثير سلبي كبير على عجز الموازنة، حيث أنّ الكلّفة على خزينة الدوّلة في أقلّ تقديرات نتيجة هذا الفساد تفوق الـ 5 مليارات دولار أميركي. ناهيك عن التداعيات الناتجة من عدم تحصيل إيرادات الدولة التي بلغت نسبة تحصيلها العام الماضي 62 %! وكل هذا بسبب الفساد.
لقد قمنا بحساب الإيرادات والتوفير الناتج من تطبيق كلّي وكامل لورقة بعبدا المالية والإقتصادية، والنتيجة كانت صادمة. إذ على الأمد البعيد تصل قيمة الإيرادات والتوفير الناتج من التطبيق إلى أكثر من 11 مليار دولار أميركي.
بالتأكيد تتفاوت قيمة المبلغ الذي سيتمّ تحقيقه بحسب نسبة تطبيق كل بند من بنود ورقة بعبدا، إلّا أنّ الرسم التراكمي للأرقام القصوى التي يُمكن تحصيلها تُعطي فكرة عن مستوى الإجرام المُرتكب بحق المال العام، إن من ناحية الفساد والهدر أو حتى من ناحية عدم الإلتزام بالمهل الدستورية!
هذه الورقة التي يُصرّ رئيس الجمهورية على تطبيقها كما ذكّر وقال الأسبوع الماضي «عدم تطبيق هذه المقررات يعني أن لا حكم في لبنان». هذا التصريح يعني أنّ رئيس الجمهورية سيفرض وضع هذه الورقة على جدول أعمال جلسة مجلس الوزراء المتوقّعة هذا الأسبوع في بيت الدين.
وبالتالي سيكون إهتمام الأسواق المالية مُنصبّ على هذه الورقة بالتحديد وما سينتج من قرارات عملية في اجتماع الحكومة. والأهم، هل سيكون هناك لجنة وزارية لمتابعة تطبيق هذه المقررات أم لا؟ إذ أنّ وجود لجنة وزارية يعني أنّ الأطراف السياسية جدّية في معالجة هذه المُشكلة الأساسية والتي لم تستطع أي حكومة حلّها حتى الساعة.
الجدير ذكره، أنّ مقررات ورقة بعبدا المالية والإقتصادية في حال طُبّقت كفيلة بتحقيق فائض في الموازنة يُمكن إستخدامه من جهة لخفض الدين العام ومن جهة أخرى لتمويل مشاريع إستثمارية! من هنا نرى أنّ الأولوية يجب أن تكون لهذه الورقة على حساب أية مشاريع أخرى، لكن تطبيقها لا يمنع تنفيذ مشاريع «سيدر» والتي ستُشكّل رافعة أساسية في موازنة العام 2020 في حال تمّ البدء فيها هذا العام!
أيضاً، وعلى صعيد ورقة بعبدا المالية، يُمكن القول إنّها تُشكّل الضمانة الوحدية لتأمين الإستقرار المالي للدوّلة اللبنانية. من هذا المُنطلق، نرى أنه وفي حال تمّ أخذ قرارات تنفيذية لهذه الورقة في إجتماع الحكومة اللبنانية، فسيكون هناك إحتمال أن يتمّ تعديل قرار «ستاندارد آند بورز» المتوقّع صدوره آخر هذا الأسبوع أو بداية الأسبوع القادم. فهل يعي المسؤولون أهمّية هذا الأمر وتكون جلسة الحكومة القادمة نقطة تحوّل في إدارة شؤون البلاد؟
يبقى القول، إن طرح ملف التعيينات في جلسة الحكومة المُتوقّعة قبل صدور تقرير وكالة التصنيف الإئتماني «ستاندارد آند بورز»، مؤشر الى عدمّ جدّية في هذا السياق من ناحية أنّ هذا الملفّ الخلافي قد يُطيح الجلسة ويقضي على أي أملّ بالخروج بقرارات عملية لورقة بعبدا المالية.
من هذا المُنطلق نتمنّى ونتطلّع إلى حلّ مُشكلة التعيينات خارج الجلسة وعرضها في الجلسات التي تلي هذه الجلسة، نظرًا لأهمية محتوى وتوقيت وتداعيات قرارات الجلّسة هذا الأسبوع.