في الوقت الذي كان فيه الأمين العام لحزب الله السيّد حسن نصر الله يُهدّد الإسرائيليين بإبادة فرقهم العسكرية في أية حرب مقبلة، على أرض الجنوب، وارض لبنان، داعياً إياهم لمشاهدة العمليات (online)، كانت الإدارة الأميركية تضع النقاط التي ستثيرها مع الرئيس سعد الحريري حول حزب الله، والمساعدات، أو العقبات التي تعترض مساعدة الولايات المتحدة لبنان، لانتشاله من الأزمة المالية الخطيرة التي يمر بها، فضلاً عن درء نيران الخطر الإقليمي المحدق به، من جرّاء عوامل ثلاثة:
1- احتدام النزاع الأميركي – الإيراني.
2- تعثّر محاولات التسوية، وإنهاء الحرب في سوريا، وعدد من النقاط الساخنة في الإقليم.
3- انكشاف صفقة القرن، وحجم الرفض الفلسطيني والعربي والإسلامي لها..
من المؤكد ان موضوع حزب الله، حضر بقوة، ولكن ليس وحده على طاولة الـ30 دقيقة بين الرئيس سعد الحريري، بوصفه رئيساً لحكومة لبنانية، يتمثل فيها حزب الله، بثلاثة وزراء هم نصف الحصة الشيعية (بعدما قرّر ان يدخل إلى المناصفة، مع صنوه حركة أمل) وناظر الخارجية الأميركية مايك بومبيو، بعد سلسلة من اللقاءات التمهيدية، مع معاونيه الكبار، مثل ديفيد هيل، وخليفة ساترفيلد الذي احيل الى مركز آخر، بوصفه ممثّل سياسة الولايات المتحدة الأميركية في العالم، لا سيما في الشرق، وهو من كبار المتمولين، وأصحاب الشركات، التي تقاتل على كل جبهات الثروة العالمية، من فنزويلا البافارية إلى إيران الخمينية..
كيف حضر؟
بداية، في رصد عملي، لتصريح الوزير الأميركي، الضعيف دبلوماسياً والمستقوي بعنجهية رئيسه دونالد ترامب، واللاهث وراء مليارات إضافية من المال، والدولار، والنفط والغاز.. تجد: ..«وهذا الشعب مهدّد بما يقوم به نيابة عنه حزب الله»..
وقد تكون هذه الإشارة الأشد وضوحاً، في تصريح بومبيو، مع العلم انني لم اعثر على كلمة اخرى في تصريحه عن الحزب، وثانية، في أسئلة المراسلين العرب المعتمدين في واشنطن للرئيس الحريري، في دردشة طويلة معه، بعد اللقاء مع بومبيو، مجملها ترد في معرض ما سمعه رئيس مجلس وزراء لبنان من المسؤول الأميركي الارفع، الذي التقاه في زيارة نادرة، تسبق اجتماعات الجمعية العمومية للأمم المتحدة، خلال أيلول المقبل، ويشارك فيها زعماء دول ورؤساء حكومات، ووزراء خارجية، وتتعلق بالسياسات العالمية، ومواقف الدول الأعضاء منها..
الرئيس الحريري قال (وأقواله ستأتي دائماً في معرض الرد على اسئلة): .. هم (الاميركيون) لديهم (هذا ما سمعه) ملاحظات (تبسيط الانتقادات أو إجراءات، عقوبات) على لبنان (الدولة، الحكومة، القيادات السياسية، الشعب الأحزاب) يعرفها الجميع (معروفة، أي غير مجهولة، قديمة وليست جديدة)، وهي متعلقة بحزب الله..
وحول العقوبات، وما إذا كانت ستطال حلفاء لحزب الله، نفى رئيس الحكومة ان يكون هذا الأمر حقيقة، لكنه أكّد ان هناك نوعاً من الأحاديث، غالباً «ما يتم في الكونغرس»، ومَنْ هم هؤلاء الحلفاء، الذين يجري حديث في الكونغرس حول وضعهم على لائحة العقوبات؟ تردّد كلام في بيروت انهم من أنصار التيار الوطني الحر، لا بل أكثر من ذلك، ذهب من يتداول اسم رئيس التيار جبران باسيل، في رأس قائمة هؤلاء المهددين بالعقوبات!
وهنا، من حق المراقب، أو المتابع ان يتساءل: هل ثمة لوبي لبناني، يضع السياسة الأميركية تجاه لبنان، ويوحي لصنّاع هذه السياسة من الأميركيين ان يسلكوا هذا المسار أو ذاك؟
المسألة، أبعد من التفتن أو «سوء الظن من حسن الفطن»، تكفي الإشارة إلى دور الكونغرس، لمعرفة، كيف تحضر القوانين أو مشاريع قوانين العقوبات وانتاج القوائم، وتحديد مواصفات الإرهاب والارهابيين..
الأخطر في الأسئلة، والاوضح في الأجوبة، ولكن، بدلالات، لا لبس فيها، سؤال يتعلق بـ«موقف الإدارة الأميركية من أداء الحكومة اللبنانية، لا سيما ما يتعلق بموقفها من موضوع مصانع الصواريخ الخاصة بحزب الله».
أجاب الحريري: «هناك نقاش نقوم به مع الإدارة الأميركية وعلى صعيد داخلي، لا أريد ان ادخل في تفاصيل الأمور، لكننا نحاول إيجاد أفضل الطرق لعدم وضع لبنان في موقع خطر..». ودورنا ليس ان نكون بوليس لدى الاسرائيليين.
تنطوي الإجابة على شقين: الأوّل يتعلق بأن هذا الموضوع مطروح، في الماضي والآن، والثاني أن الإدارة الأميركية تتبنى بالكامل «المزاعم الإسرائيلية» بأن حزب الله يصنع صواريخ في لبنان..
الحريري قال: نعالج الموضوع لبنانياً، مع حزب الله الممثل بالحكومة.. ولكن (وهذه الإشارة لي)، السيّد نصر الله قال مرّة في معرض تناول هذا الموضوع: أن لدى الحزب القدرة على تصنيع الصواريخ، لكن ليس لديه معامل أو مصانع لصناعة الصواريخ..
وفي الشق الأميركي قال الحريري نعالج هذا الموضوع مع الأميركيين.. هناك التقارير الأميركية المباشرة، هناك الأقمار الصناعية، هناك تقارير الأجهزة الأمنية اللبنانية.. بإمكان الأميركيين التحقق.. ولكن ما صلة ذلك بالقرار 1701؟ وما صلة ذلك بالتمديد التلقائي لقوات الأمم المتحدة العاملة في لبنان (UNIFIL).. وما صلة ذلك بالغارات الإسرائيلية المفتوحة ضد ما تزعمه إسرائيل، من مواقع وشاحنات تنقل صواريخ لحزب الله، داخل الأراضي السورية..
ما لمسه اللبنانيون، ليس موقف الرئيس الحريري، الجريء، والرافض ان يكون لبنان بوليساً لحماية اسرائيل، فضلاً عن الإشارة إلى «خرق الأجواء اللبنانية مرات المرات في اليوم.. داعياً بطريقة مباشرة أو غير مباشرة الأميركيين إلى النظر بعين متوازنة لمسألة الاعتداءات الإسرائيلية والخروقات الدائمة من قبل الإسرائيليين للقرار 1701.
على ان الأوضح في اجابات الحريري هو ما قاله رداً على سؤال: ما هو المطلوب من الحكومة اللبنانية في ما يتعلق بحزب الله؟
«نحن (الحكومة) علينا (يتوجب) ان نتعامل (أي نتخذ إجراءات، أو نعمل بموجب..) مع أي شخص (من حزب الله) أو مؤسّسة (تابعة لحزب الله) تدرج (أي تدرجها الولايات المتحدة) على لائحة العقوبات (الصادرة عن وزارة الخزانة الاميركية) بشكل صارم (دون مواربة).. كل ذلك بهدف واضح: «من أجل حماية مصارفنا»..
هنا المسألة قديمة وليست جديدة.. وحاكم مصرف لبنان والمصارف أعلنت التزامها باللوائح الأميركية، مباشرة أو مواربة..
ولكن السؤال، بعدما تكيّف الحزب مع هذه المرحلة، والتأكيد انه تجاوزها، على طريقته، هل ثمة من مخاطر جديدة؟ وهل الأمر يقتصر على شروط بربط رفع العقوبات أو تخفيفها بإجراءات «سيادية» لبنانية، تحظى باستحسان أميركي ودولي؟.
محور الأسئلة في الدردشة، ماذا قال الأميركيون عن حزب الله، وماذا يعتزم الرئيس الحريري ان يفعل؟
ووراء البروباغندا المتصاعدة هذه، ثمة أسئلة أبعد وأدق: ماذا يعتزم ان يفعل الأميركيون والاسرائيليون؟
الرئيس الحريري لمس دعماً اميركياً، وطالب بقراءة متأنية لمواقف بومبيو.. والسيّد نصر الله خاطب الإسرائيليين من على معبر مثلث «الصمود والنصر» بنت جبيل – مارون الرأس – عيترون، داعياً إياهم لعدم الخطأ في الرهانات..
وعليه: إن لبنان في مرحلة ترقب خطيرة.. لكن الخطر فيها، احتمال، وليس قاطعاً.. بانتظار فصل جديد من عض الأصابع بين طهران وواشنطن؟!