يوم التاسع عشر من آذار 2017، وأثناء وضع وليد جنبلاط عباءة الزعامة على كتفي نجله تيمور، توجه إليه قائلاً: “انطلق يا تيمور، ممسكاً شقيقك أصلان بيد، وداليا باليد الأخرى”. كانت هذه العبارة، إشارة مميزة في أعراف المختارة، وتظهيراً لدور تلعبه نساء آل جنبلاط على نحو غير علني، باستثناء حقبة السيدة نظيرة جنبلاط، قبيل تسّلم كمال جنبلاط لمقاليد الزعامة. السيدة مي ارسلان كانت مستشارة ومؤثرة في العديد من مسارات نجلها وليد. وهناك حكمة روحانية لدى الدروز، تؤمن بدور النساء وتأثيرهن، بشكل يتساوى مع الرجال، ولا يشوبه أي تمييز، عدا ربما ما يخص الظهور العلني وشروط الحشمة.
انطوت عبارة جنبلاط على أهمية التكامل والتكافل بين أدوار الأشقاء، على نحو إذا ما اهتم تيمور بالمقاليد السياسية للزعامة، يكون إلى جانبه من يدعمه في الاهتمامات الثقافية كأصلان مثلاً، وفي العمل الاجتماعي كداليا. وما يعنيه ذلك من “لمعة” جنبلاطية، لتعزيزمساهمة المرأة الاجتماعي الملاصق للعمل السياسي. تماماً كالدور الذي تلعبه نورا جنبلاط ثقافياً واجتماعياً وتربوياً إلى جانب رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي.
إلى جانب الرئيس
قبل أيام، انشغل الوسط اللبناني بصورة داليا وليد جنبلاط في قصر بيت الدين إلى جانب رئيس الجمهورية. تم تظهير الخطوة وكأنها ظهور سياسي جديد للشابة، وشطحت التحليلات بعيداً، في اعتبار أن والدها ربما يحضّرها لتبوء دور سياسي إلى جانب شقيقها تيمور. من تبنى هكذا رأي استند إلى أسلوب جنبلاط في صنع الإشارات، التي لا تخلو من التلميحات وفن صياغة الرسائل. لكن الحقيقة تبدو في مكان آخر. الحضور كان عبارة عن تطابق مع العرف الجنبلاطي والتقاليد، التي توجب حضور من يمثل آل جنبلاط في هكذا مناسبات (زيارة ترحيبية برئيس الجمهورية في الشوف) للدلالة على الرحابة الجنبلاطية. لم تكن داليا جنبلاط رئيسة الوفد، الذي ترأسه الوزير أكرم شهيب، وألقى الكلمة باسمه. حضورها كان له طابع عائلي بحت. كرسالة إيجابية من دار المختارة لرئيس الجمهورية، وكي لا تكون الزيارة بغياب آل جنبلاط، طلما أن الوالد والابن تيمور على سفر.
منذ فترة أحيطت داليا جنبلاط بالكثير من التساؤلات وعلامات الاستفهام، وانشغلت بها الأوساط اللبنانية، لقربها من والدها، وشخصيتها القوية. وهي عملياً انطبعت في أذهان اللبنانيين بصورتين، واحدة نشرتها على حسابها على وسائل التواصل الاجتماعي، لصديقة لها تم تفسيرها بشكل خاطئ، ولم تكن الصورة سوى تعبير عن عمق الصداقة بينهما. وأخرى هي الأخيرة في قصر بيت الدين إلى جانب رئيس الجمهورية ميشال عون بدلاً من شقيقها تيمور.
صغيرة البيت
تبدو داليا جنبلاط الأقرب إلى قلب والدها، وتربطها به علاقة قوية، باعتبارها صغيرة المنزل، ترافقه في العديد من رحلاته الاستجمامية، فنراها مثلاً تقف إلى جانبه على ناصية الطريق بانتظار تاكسي في شوارع لندن، كسلوك متخفف من الشكليات. وهذا جزء من شخصيتها وتكوينها، كإبنة متحررة من أثقال “الارستقراطية”، على الرغم من حرصها على إرث العائلة وما تمثله تاريخاً وحاضراً.
هنا تؤكد داليا جنبلاط لـ”المدن” أن كل ما تقوم به، هو عبارة عن شغف لديها في التعاطي مع الناس، والتواصل معهم، وتوفير كل ما يحتاجونه، لأن اهتماماتها تنصب على توفير فرص العمل، وتشير إلى استعدادها لإطلاق مشاريع عديدة مستقبلاً، لها علاقة بالخدمات الاجتماعية والأنشطة الثقافية، معتبرة أنه لم يحن الوقت للإعلان عنها بعد. وتقول: “ليس لدي أي طموح سياسي، وكل ما أقوم به يندرج في خانة العمل الاجتماعي الذي أحبه، وهو يمثل دعماً للمسيرة السياسية التي يقودها تيمور”. وتضيف: “لطالما تُطرح عليّ أسئلة من هذا النوع، وجوابي واضح، كل ما أقوم به يهدف إلى مساعدة تيمور، وكل اهتماماتي تنصّب على دعمه في ما هو غير سياسي، وهذه الاهتمامات معروفة، شعبياً، اجتماعياً، وثقافياً”.
التأثر بالجدة
تشبه شخصية داليا خصال والدها في المتابعة الدقيقة لأدق التفاصيل، تسأل عن مختلف الأمور، وتلاحقها إلى نهاياتها. وهي متأثرة إلى حدّ بعيد بجدتها مي ارسلان، لجهة الاهتمام بكل شؤون العائلة، والعمل على جمعها دوماً وفي كل المناسبات، ومتابعة مختلف مشاغل المنزل.
تتسم شخصيتها بالمرح إجمالاً، وهي تنحو إلى العفوية في تخطيها لبعض الأعراف الضيقة، وتدفعها سجيتها مثلاً إلى تصوير والدها على عشاء عائلي جامع لمناسبة عيد الميلاد وهو مزهو يصفق. أو نشر صور من الحياة الخاصة من غير افتعال.
من يعرفها، يدرك سريعاً حجم حماستها للتعاطي مع الناس، والتسامر معهم أنّا توجهت. وعلى ما يبدو أنها متحمّسة لشقيقها تيمور ومساعدته في إثبات جدارته وزعامته. وهي فتاة تمزج الثقافة الشرقية بالغربية، وهي الملمة خصوصاً بتاريخ الحروب العالمية، والمتابعة بأدق التفاصيل للصراعات الأوروبية في مختلف عصورها. شخصيتها القوية والتي تدفعها إلى المشاركة في مناسبات شعبية واحتفالات قروية أو حزبية، تعوض بها انشغال تيمور أو غيابه عن هذه الأنشطة. ولكّنها تؤكد دوماً أنها الرافد له، والداعم والسند.
تختلف شخصيتها عن شخصية شقيقها الذي يبدو هادئاً، رصيناً، محللاً للأمور، وإن لم يخرج بها إلى العلن. حركتها الدائمة والمندفعة يعاكسها طبع تيمور، الذي يفضل الهدوء، والتحدث بصوت منخفض بعيداً عن الضجيج والضوضاء. وهو يفاجئ البعيدين عنه عندما يقتربون لما يتمتع من حسن اطلاع لا يظهر للعلن. ومقابل داليا، يبدو تيمور شخصية حازمة غير مترددة، خصوصاً أنه لا يحبذ الصورة النمطية اللبنانية للرجل السياسي، وكاره للشعبوية وأساليبها ودعائيتها.