IMLebanon

النظام الداخلي للقوات معطّل: محازبونا غير جاهزين للديمقراطية!

 كتبت ليا القزي في “الاخبار”: 

احتاج النظام الداخلي لحزب القوات اللبنانية، إلى أكثر من خمس سنوات لإقراره. وبعد ثماني سنوات على إقراره، لا يزال غير مُطبق. 303 مادة أُقرت ضمن احتفالية تحوّل «القوات» من ميليشيا إلى حزب «متطور وحديث»، طواها سمير جعجع، ناجحاً في «تدجين» الجماهير لمصلحته، ليُصبح في الخندق نفسه مع بقية الأحزاب اللبنانية.

القسم الثاني، الباب الأول، الفصل الأول، من النظام الداخلي للقوات اللبنانية، الذي يُعرّف «المؤتمر العام»، ينصّ على أنّه «المرجعية العليا» في الحزب، المسؤولة عن توجهاته وسياسته العامة. مهماته مُتشعبة، أساسها رسم سياسة الحزب العامة ومناقشة مجمل أوضاعه. ومن المفترض أن يُعقد، «في الفصل الأخير من كلّ عام». متى كانت آخر مرة عُقد فيها مؤتمر عام؟ يتردّد مسؤولون محليون في «القوات» قبل الإجابة، «ربّما في الـ2011 أو الـ2012؟». جوابهم يأتي على شكل سؤال، فهذا «التفصيل» غاب عن بالهم، بعد أن مضت ثماني سنوات على دعوة «المرجعية العليا» في الحزب، إلى الانعقاد، تحديداً منذ إقرار النظام الداخلي في الـ2011. ليست هذه «المخالفة» الوحيدة لـ«قانون» القوات اللبنانية. ولاية رئيس الحزب، تشوبها علامات استفهام أيضاً.

الباب الثاني من القسم الثاني، حدّد أنّ من مهمات الرئيس وصلاحياته «السهر على تحقيق الأهداف الاستراتيجية التي يُحدّدها المؤتمر العام وعلى تنفيذ القرارات الصادرة عن الهيئة التنفيذية». بتعطيل انعقاد المؤتمر العام، على ماذا يسهر «الحارس» سمير جعجع؟ هل يملك في الأساس «شرعية» لعب دور الوصي؟ فعلى رئيس الحزب أن يكون «مُنتخباً من قِبل الأعضاء المنتسبين إلى الحزب مباشرةً»، كذلك فإنّ ولايته مُحدّدة بأربع سنوات، مع ضمان حقّه بأن يترشح لأكثر من ولاية متتالية.

فإذا كان الرئيس يستمد شرعيته من المحازبين مباشرةً، في حين أنّه لم تُنظم الانتخابات ولا مرة، وقد مضت أكثر من 4 سنوات على تسليمه مقاليد الحُكم، بشبه ديمقراطية، ألا يُعَدّ «مطعوناً فيه»، ومعه كلّ المراكز المرتبطة ولايتها به، كالهيئة التنفيذية؟ الشروط نفسها تُطبّق على نائب رئيس الحزب… والمخالفات ذاتها أيضاً، التي لم يسلم منها أيضاً منصب الأمين العام. يجب أن يكون شاغل المنصب الأخير، «قد أتمّ عشر سنوات أقدمية، ومارس مهمات أو مسؤوليات في القوات اللبنانية». ولكن، يبدو أنّ جعجع وأمام اكتشافه وجود «خواء» على صعيد «الكادر الحزبي»، اختار شانتال سركيس، التي عملت، قبل تعيينها في الـ2016، «مديرة البرامج في المنظمة الدولية للأنظمة الانتخابية IFES، وناشطة ومؤسسة لعدد من الجمعيات، ثم مستشارة سياسية في مكتب المنسّق الخاص للأمم المتحدة في لبنان، قبل أن تستقيل وتُعيَّن مستشارة رئيس حزب القوات اللبنانية للشؤون الانتخابية والسياسية، في 2 آب 2016»، كما ورد على موقع «القوات» الإلكتروني بعد تعيينها.

أفرد النظام الداخلي مساحة كبيرة للعملية الانتخابية «الديمقراطية» داخل الحزب. تَعَب «المُشرعين» في تطوير «القوات»، دُفِن سريعاً، مع استبدال تعيينات بالانتخابات، أكان في رئاسة المراكز، ورئاسة الدوائر، ومجلس الشرف، وهيئة الادعاء… النظام الداخلي للقوات اللبنانية، إنما يكشف حقيقتها «اللامثالية». يُبيّن أنّ الصورة التي تعكسها عن نفسها، لا تتواءم مع واقعها. فالحزب الذي يُنظّر دائماً لمنطق الدولة وتطبيق قوانينها واحترام مؤسساتها، لا يزال بعد ثماني سنوات من إقرار نظامه الداخلي، غير قادرٍ على تطبيقه، فيكون «حزب» القوات اللبنانية بذلك، لم يدخل حيّز التنفيذ بعد. ولا علاقة لذلك، بأنّ «القوات» أثبتت في استحقاقات عدّة، وآخرها الانتخابات النيابية، أنّ لها قاعدة جماهيرية واسعة، مُرشحة للتوسع أكثر فأكثر. فلا شكّ في أنّها من أكثر الأحزاب «استثماراً» في قواعدها الحزبية، وعملاً على استمالة فئات اجتماعية كانت حتى وقت قريب بعيدة عن دائرتها.

ولكنّ عدم النجاح، أو غياب الرغبة، في تطبيق النظام الداخلي، يأتي ليُخالف «أسطورة» أنّ القوات اللبنانية حزبٌ «ديمقراطي وحديث»، يضع خططاً ذات أبعاد استراتيجية، ولديه تنظيم لا يُشبه بقية الأحزاب. حركة أمل، الحزب التقدمي الاشتراكي، التيار الوطني الحر، الحزب الشيوعي، الحزب السوري القومي الاجتماعي، حزب الكتائب… كلها تنظيمات نظمت مؤتمرات حزبية، وأجرت انتخابات داخلية (بصرف النظر عن التركيبة التي أُنتجت، ودور القيادة في توجيه القواعد لمصلحتها)، وعدّلت في أنظمتها، وشهدت حركة اعتراضات حزبية. أما قواتياً، فكانت الغلبة للمنطق «العشائري» في العمل الحزبي والخوف من رأي القاعدة، على حساب كلّ محاولات التقدم «الديمقراطي»، ليُعكّر على «القوات» تثبيت تحولها من ميليشيا نشأت لأهداف حربية مُحددة، إلى حزب يريد الاستمرارية والحفاظ على وجوده داخل مؤسسات الحُكم. ولا يُمكن التعامل مع مخالفة النظام الداخلي ببساطة، أو اعتباره نقطة هامشية أمام تطور الحزب. فالأنظمة وُضعت أساساً لبناء الهيكلية التنظيمية، وترتيب شؤون الأحزاب، وأهدافها وتقسيم المسؤوليات والمهمات داخلها. سمير جعجع نفسه، ربط في الـ2011 بين وضع نظام داخلي لـ«القوات»، وتحويله إلى حزب «فعلي ديمقراطي بالمعنى الحديث للكلمة». كلام رئيس القوات اللبنانية «المنطقي»، سيتحول إلى «إدانة» لنفسه وحزبه.

«هناك تأخير في تطبيق النظام الداخلي، بسبب نقص ثقافة العمل الحزبي والديمقراطية لدى محازبينا، وهي حالة عامة تشمل كلّ الجماهير الحزبية»، يقول أحد العاملين على نظام «القوات»، مشدّداً على أنّ «أحبّ شيء على قلب الحكيم تطبيق النظام، ولكن حين بدأنا باستخدامه، وجدنا أنّ الناس غير جاهزة». التحجج بعدم قدرة الرأي العام على تحديد خياراته الحزبية، وسيلة تستخدمها كلّ الأحزاب، لتُبرّر «ديكتاتوريتها» الداخلية، غير مدركة أنّها تُشكل أيضاً إدانة لها. فهذا دليل على ضعفها في تثقيف الناس، وأداء دورها الوظيفي تجاههم. وإذا كانت الحجة سليمة، فلماذا يُسمح للقواعد نفسها بالمشاركة في الانتخابات النيابية والبلدية؟ يُصرّ المصدر القواتي على فكرته، مُقدماً مثالاً «إحدى انتخابات المراكز في بلدة من جبل لبنان. أتت النتيجة 62 مقابل 61، فقرّر الفريق الخاسر مقاطعة العمل التنظيمي لعدم رضاه عن الفريق الفائز. وعلى هذا المنوال، كانت لدينا حالات عديدة، إما يتحول الأمر إلى حرب ضروس بين المحازبين، أو اعتكاف الخاسرين». ولأنّ المجتمع اللبناني «غير حاضر للديمقراطية»، بحسب نائب قواتي، قرّرنا «استبدال تكليفات في المراكز بالانتخابات، ليُصار إلى تفعيل العمل الحزبي، ومتابعة الانتسابات، قبل الانتقال إلى مرحلة الانتخابات». تُستخدم عبارة «تكليف» للهروب من «التعيين»، وتصويرها كـ«مرحلة مؤقتة». ورغم كلّ المؤشرات على عدم تطبيق النظام، هناك إصرار على أنّه «لم نُخالفه مرة. ما زلنا في المضمون ننطلق منه، حتى ولو لم يظهر ذلك شكلياً. فنحن مُدركون أنّ تطبيق النظام، خلاصنا الوحيد. وإنّ من لا يملك نظاماً، يكون منظمة آيلة نحو الزوال». نقطة أساسية أن تُدرك «القوات» نهايتها إذا لم تُطبق نظامها، ولكنها مع ذلك تُبرّر تغاضيها عنه طوال ثماني سنوات. والحجج تستمر: «نحن الحزب الوحيد الذي يملك إعداداً فكرياً. لا يتخذ سمير جعجع قراراً من دون نقاشه، ويحتفظ برأيه حتى الأخير لكي لا يؤثر فينا. ونحن الأكثر تنظيماً. رغم كلّ الاعتراضات الداخلية، هل لاحظتم انشقاق جماعة ما؟». نعم، مجموعة «بشرّي موطن قلبي» (تشكلت خلال الانتخابات البلدية في بشرّي عام 2016)، والحزبيون الذين تركوا «القوات» والتحقوا بقيادات محلية.

ماذا عن عدم انعقاد المؤتمر العام؟ «الظروف السياسية مسؤولة عن ذلك»، يردّ النائب القواتي، متناسياً أنّ «فخر» حزبه كان إقراره نظاماً داخلياً في غمرة الانتفاضات العربية والتطورات الإقليمية. يردّ بالسؤال عمّا إن كان الهدف هو الدعوة إلى «استعراض كبقية الأحزاب أو مؤتمر حقيقي». لا بوادر على قرب انعقاد المؤتمر قبل أن يُصبح المحازبون «جاهزين»، رغم وجود نقاش داخلي في ضرورة تعديل نقاط عدة في النظام الداخلي. غياب المؤتمر يعني أنْ لا تغييرات في قيادة الحزب، أصلاً هناك «قناعة بأنّ سمير جعجع يُمثل القضية، ولا خليفة له».