Site icon IMLebanon

كيف تُفسِّر «القوات» انعطافة جعجع الفلسطينية؟

كتب عماد مرمل في “الجمهورية”:

 

تكاد الاعتداءات الاسرائيلية على الفلسطينيين في الاراضي المحتلة لا تعدّ ولا تحصى، إذ تزدحم «السيرة الذاتية» للاحتلال بالكثير من الجرائم الموصوفة في حق ابناء الشعب الفلسطيني، الامر الذي يلقى استنكاراً عارماً في مختلف الاوساط. لكن الجديد، هو انّ حزب «القوات اللبنانية»، وعلى خلاف «تقاليده»، ندّد علناً بالارتكابات الاسرائيلية التي سُجلت أخيراً في المسجد الاقصى بعدما كان يميل الى الصمت او التجاهل في معظم الاحيان. فهل من تغيير في سلوك «القوات» ام انّ الامر لا يعدو كونه «زلّة تويتر»؟
قبل نحو اسبوع، اعتدت قوات الاحتلال على المصلّين في المسجد الاقصى بالترافق مع عيد الاضحى، فما كان من رئيس حزب «القوات» سمير جعجع إلّا ان غرّد على حسابه عبر «تويتر» قائلاً:

«استنكر ممارسات الجيش الاسرائيلي في حق الفلسطينيين العزّل وأدين بشدة اعتداء هذا الجيش على المصلّين في حرم المسجد الاقصى في عيد الاضحى المبارك. واطالب بتحرّك دولي وعربي سريع من اجل ابقاء فرصة امل لسلام يعطي كل ذي حق حقه».

بدا كلام جعجع لافتاً في مصطلحاته ومضمونه، خصوصاً انّه اتى متمايزاً عن السياق المتعارف عليه، ومغايراً للمسار التقليدي لخطاب «القوات»، التي لطالما كانت تعتبر انّ الاستنكارات والادانات لما ترتكبه تل ابيب هي جزء من «لغة خشبية» لا تستسيغها معراب في معرض مقاربتها ملف الصراع العربي- الاسرائيلي وتحدّياته.

وسبق تغريدة جعجع، المتضامنة مع المصلّين الفلسطينيين في مواجهة الاعتداء الاسرائيلي، موقف معترض من قبله على «صفقة القرن» التي اعتبرها فاشلة وغير قابلة للحياة، ما عزّز التساؤلات عن الدوافع الحقيقية خلف التعديل المستجد في قاموس «القوات»، وحساباتها حيال مقاربة ملفات تتصل بالسياسات الاسرائيلية والتغطية الاميركية لها.

بالنسبة الى كثيرين ممن يخاصمون معراب، لا يمكن الذهاب بعيداً في الاستنتاجات السياسية، خصوصاً انّ قرار وزير العمل القواتي كميل ابو سليمان المتعلق بالعمالة الفلسطينية اعطى بعض الفصائل في المخيمات والداخل المحتل انطباعاً بأنّ معراب تساهم بشكل او بآخر في تمهيد الارض امام تطبيق «صفقة القرن»، خلافاً لما توحي به التصريحات العلنية لمسؤوليها.

ويعتبر خصوم «القوات»، انّ التضييق على الفلسطينيين المقيمين في لبنان بموجب التدبير المتخذ، يعني استهداف أحد أبرز حقوقهم المدنية كلاجئين، الامر الذي من شأنه ان يدفع الجزء الاكبر منهم الى الهجرة، بحيث يسهّل لاحقاً توطين الجزء الآخر، ما يؤدي حكماً الى إجهاض حق العودة وتصفية القضية، وفق المرتابين في نيات «القوات» وإجراء وزيرها.

على المقلب الآخر، لم تكتف «القوات» بنفي الاتهامات الموجّهة اليها، بل انّ مصدراً بارزاً فيها يؤكّد انّ الموقف الواضح والصريح الذي اتخذه جعجع ضد الممارسات الاسرائيلية في حق الفلسطينيين في المسجد الاقصى إنما يهدف ضمن أحد مندرجاته الى محاولة احتواء الهواجس التي ترتبت لدى البعض على قرار وزير العمل، والتأكيد انها لا تستند الى اي اساس.

ويشدّد المصدر القواتي على انّ تغريدة جعجع تعكس اقتناعه بعدالة القضية الفلسطينية ووجوب إنصاف اصحابها، وحرصه على إزالة المخاوف التي نتجت من تفسير غير صحيح لأبعاد الاجراء الصادر عن وزير العمل لتنظيم العمالة الاجنبية ومن ضمنها الفلسطينية، معتبراً انّ محتوى التغريدة يجب ان يُطمئن القلقين، «وهو يؤشر الى عدم وجود اي نية باستهداف الفلسطينيين، بل انّ «القوات» التي دافعت عبر رئيسها عن المصلين في المسجد الاقصى لا يمكن ان تضمر اي شر لهم في لبنان».

ويوضح المصدر، انّ «القوات» درست «صفقة القرن» وتداعياتها المحتملة، من كل الجوانب، «وهي توصلت الى اقتناع تام بأنّ انعكاساتها ستكون وخيمة على لبنان، بل لعله سيكون من بين الاكثر تضرراً، خصوصاً لجهة فرض التوطين عليه».

ويشير المصدر القيادي في «القوات» الى انّ «صفقة القرن» لا تهدّد فقط بتوطين الفلسطينيين الموجودين في لبنان، وانما قد تدفع ايضاً في اتجاه تهجير الفلسطينيين من أماكن أخرى الى لبنان لتوطينهم فيه، «انطلاقاً من فرضية ان ساحتنا سائبة وليست عندنا دولة قوية يمكنها ان تمنع هذا السيناريو إذا تقرّر اعتماده، وبالتالي فانّ المطلوب في المقابل الاصرار على إعطاء الحقوق المشروعة لاصحابها من أجل تثبيت بقائهم في ارضهم».

ويشدّد المصدر على انّ «القوات» التي حاربت التوطين بالسلاح حين دعت الحاجة في الماضي، ستقاتله كذلك بقوة الموقف في هذه المرحلة ومن دون هوادة، محذراً من انّ الاعتداءات الاسرائيلية على الفلسطينيين قد تمهّد إذا تصاعدت لتهجير إضافي، «وهذا ما يفسّر مبادرة جعجع الى التنديد بما حصل في المسجد الاقصى من انتهاكات، لانّه عندما يكون هناك مشروع مريب كـ «صفقة القرن»، يصبح من الواجب التدقيق في كل واقعة والتعامل معها بالطريقة المناسبة، لانها ربما تكون جزءاً من مخطط أوسع وأخطر».