كتب محمد خالد ملص في “الاخبار”:
مطمر تربل، بالنسبة لأهالي المنية، لم يعد مجرّد «بورة» تقرّر استحداث مطمر للنفايات فيها ما أثار غضب السكان حولها. «خديعة تربل» هي ما بات يتحدث عنه أهالي القضاء ويحمّلون مسؤوليتها، في المقام الأول، لرئيس الحكومة سعد الحريري الذي وعدهم بالنزول عند مطلبهم وقف العمل في المطمر، «لما للمنية وأهلها من مكانة في قلب الرئيس الشهيد رفيق الحريري»، قبل ان يتبيّنوا أن اتفاقاً سياسياً حيك من أجل تحميلهم عبء حل أزمة النفايات التي تعاني منها أقضية الشمال منذ نحو أربعة أشهر.
قبل عيد الأضحى، نام أهالي المنية على «الوعد الحريري» بإبلاغ رئيس الحكومة وزير البيئة فادي جريصاتي وقف العمل في المطمر وسحب الآليات منه، قبل أن يتبيّن أن بلديات زغرتا وبشري والكورة والضنية كانت تعمل، في الوقت نفسه، على جمع النفايات من شوارعها وتعبئتها في شاحنات تحضيراً للساعة الصفر. إذ سرعان ما طلبت وزيرة الداخلية ريا الحسن في برقية الى محافظ الشمال رمزي نهرا مؤازرة قوى الأمن الداخلي لشاحنات النفايات المتجهة من زغرتا والضنية والكورة لإفراغ حمولتها في تربل. وبالفعل، نفذت قوى الامن مدعومة بعناصر من الجيش اللبناني انتشاراً واسعاً على مداخل المطمر من جهاته الأربع، وعملت على منع المحتجين من التوجه الى الموقع، وأجبرت المعتصمين داخله على فك خيمهم وأبعدتهم عن المكان. كل هذا جرى عند الساعة الثانية عشرة ليل 15 الجاري، لتبدأ شاحنات محملة بالنفايات، بمؤازرة أمنية كبيرة، بالتوجه الى المطمر لإفراغ حمولتها، رغم الإعتراضات الشعبية التي نفذت في مرياطة والمنية ودير عمار وحيلان، وقطع الطرقات في عدد من المناطق، وقطع أوتوستراد المنية – عكار لأكثر من خمس ساعات، من دون أي تدخل امني او سياسي لإعادة فتحه.
مع انتهاء عمليات الطمر، بدأت التدخلات السياسية لإقناع المحتجين بفتح الطريق، مع وصول النائب عثمان علم الدين الذي أعلن أنه تواصل مع الحريري وأن الأخير اتخذ قراراً للمرة الثانية بوقف الأعمال في المطمر، وطلب من المعتصمين فتح الطريق ومرافقته الى تربل لمنع المتعهد من إكمال عمله. لكن من توجهوا الى الموقع، فوجئوا بحفرة مستحدثة، بقطر أكثر من 500 متر وعمق نحو 10 أمتار. وبحسب معلومات «الأخبار»، تم إفراغ حمولة أكثر من 30 شاحنة من النفايات المتحللة وغير القابلة للفرز، وطمرها في الحفرة من دون وضع أي عازل تحتها لمنع عصارة النفايات من التسرب الى المياه الجوفية.
فصول «الخديعة» التي يرويها ناشطون ومعترضون على المطمر، تتبدّى جلية في كتاب مرسل من وزارة البيئة الى وزيرة الداخلية والبلديات يشرح المعطيات والأسباب التي دفعت الوزارة الى اختيار أرض تربل. إذ يشير الى أن الموقع «بعيد عن مجاري المياه» و«يبعد حوالى 450 متراً عن أقرب منزل» و«حوالى 95 متراً عن قهوة صغيرة»، علماً أن المقهى المقصود عبارة عن منتجع سياحي تبلغ مساحته نحو مليون متر مربع! ويؤكد الكتاب أنه بناء على دراسة الأثر البيئي تمت الموافقة على استخدام مطمر تربل، «كحل موقت لتجميع وطمر النفايات المنزلية بطريقة صحيحة وسليمة بيئياً (…) على أن يتم تزويد أرضية العقار بطبقة عازلة (liner) لمنع تسرب مياه العصارة الى التربة والمياه الجوفية، وتغطية النفايات المطمورة بطبقة من التراب بشكل دوري، وتجميع مياه العصارة في مستوعبات منفصلة تمهيداً لمعالجتها». إلا أنه على أرض الواقع، فإن أياً من هذه الشروط لم يُطبق باستثناء إفراغ النفايات كما هي وطمرها عشوائياً.
الخبير البيئي سمير زعاطيطي وصف ما حدث بـ«الكارثة البيئية»، وقال لـ«الأخبار» إن «ما جرى كان أشبه بتهريبة للنفايات من دون مراعاة أدنى الشروط البيئية. إذ لم يوضع أي عازل في أرضية المطمر قبل رمي النفايات فيه». ولفت إلى أن التربة التي جرى الطمر بها هي تربة صلصالية صالحة للزارعة، أما الطبقة السفلية تحت النفايات، فهي من طبقة الصخور المتشققة، ما يُخشى معه من تسرب عصارة النفايات المتحللة عند أول شتوة الى خزانات المياه الجوفية والآبار». ونبّه إلى أنه «لم تُعرف نوعية النفايات التي طمرت وما إذا كانت تتضمن نفايات مصانع أو نفايات طبية».