بعيدا من اي ربط بين توقيت الموقفين او محاولة اعتبار الثاني ردا على الاول، تتوقف اوساط سياسية متابعة عند محطتين لافتتين شهدهما محور حماية لبنان وتثبيت امنه واستقراره والدفاع عنه. الاول كلام لرئيس الجمهورية العماد ميشال عون اطلقه الاثنين الماضي من بيت الدين في شأن الاستراتيجية الدفاعية اذ اعلن ردا على اسئلة الصحافيين في ما خصّ الدعوة الى طاولة الحوار “تغيّرت حاليا كل مقاييس الاستراتيجية الدفاعية التي يجب أن نضعها. فعلى ماذا سنرتكز اليوم؟ حتى مناطق النفوذ تتغير. وأنا اول من وضع مشروعاً للاستراتيجية الدفاعية. لكن ألا يزال صالحاً الى اليوم؟ لقد وضعنا مشروعاً عسكرياً مطلقاً مبنياً على الدفاع بعيداً من السياسة، ولكن مع الاسف مختلف الافرقاء كانوا يتناولون هذا الموضوع انطلاقاً من خلفية سياسية“. واستلحق بعد الظهر بتوضيح من مكتب الإعلام في رئاسة الجمهورية اكد ان ما قاله حول موضوع الاستراتيجية كان توصيفاً للواقع الذي استجد بعد عشر سنوات على طرح هذا الموضوع خلال جلسات مؤتمر الحوار الوطني، لاسيما التطورات العسكرية التي شهدها الجوار اللبناني خلال الأعوام الماضية والتي تفرض مقاربة جديدة لموضوع الاستراتيجية الدفاعية تأخذ في الاعتبار هذه التطورات خصوصاً بعد دخول دول كبرى وتنظيمات ارهابية في الحروب التي شهدتها دول عدة مجاورة للبنان، ما أحدث تغييرات في الاهداف والاستراتيجيات لا بد من أخذها في الاعتبار.“
الموقف الثاني، لقائد الجيش العماد جوزيف عون اتخذ بعده الاهم من المناسبة في حد ذاتها، اذ جاء خلال مناورة قتالية كبرى بالذخيرة الحيّة نفّذها الفوج المجوقل تحاكي فرضية مهاجمة الوحدات العسكرية المشاركة مجموعةً إرهابيةً متمركزة في منطقة جرود العاقورة والقضاء عليها، استُخدمت خلالها الطوافات وطائرات السوبر توكانو، إضافة إلى الدبابات وناقلات الجند المدرّعة والمدفعية الثقيلة، وتميّزت بالدقّة في إصابة الأهداف كما بالمستوى الحرفي في التنسيق بين الوحدات المشاركة، حضرتها السفيرة الأميركية في لبنان اليزابيت ريتشارد التي اكدت ايمان بلادها بقوة هذا الجيش متمنية ان يؤمن به كذلك كل لبناني. فبعدما هنّأ العماد عون العسكريين الذين شاركوا في المناورة، مثنياً على حرفيتهم والتنسيق في ما بينهم، لفت إلى أنّ مستوى التدريب الذي ظهر خلال هذه المناورة يثبت جهوزية الجيش الدائمة لمواجهة كل التحدّيات التي قد يواجهها سواء على الحدود أم في الداخل.”
بين كلام “الجنرالين” ، تقول مصادر سياسية سيادية لـ”المركزية” ثابتة وحيدة. وما بينهما ايضا قناعة اميركية بقدرات المؤسسة العسكرية، قد لا تكون متوافرة لدى الكثير من اللبنانيين، او ان الرغبة السياسية بالاقرار بتوافرها ليست موجودة، رغم القناعة. فالجيش باقرار قائده يثبت جهوزيته “لمواجهة كل التحديات على الحدود ام في الداخل”، ما يعني عمليا ان الحاجة لاي فريق مسلح آخر للذود عن الوطن منتفية، وان لا استراتيجية من خارجه، فجوهر المشكلة ليس في عدم توافر القدرات بل في تقاعس السلطة السياسية عن اعطاء المؤسسة العسكرية حقها نتيجة ولاءاتها الخارجية. وتبعا لذلك، فإن القرار في هذا الشأن منبعه سياسي وليس عسكريا.
وترى المصادر السيادية، ان توضيح الكلام الرئاسي عن ان “دخول دول كبرى وتنظيمات ارهابية في الحروب التي شهدتها دول عدة مجاورة للبنان، أحدث تغييرات في الاهداف والاستراتيجيات لا بد من أخذها في الاعتبار”، يؤكد ضرورة ارتكاز اي استراتيجية دفاعية على الجيش اللبناني كقوة قادرة على حماية الوطن، ومعارك فجر الجرود ابلغ دليل الى قدرات هذا الجيش في مواجهة الارهاب، خلافا “لمن نقل الارهابيين بالباصات المبرّدة الى الداخل السوري”. واذا كان الارهاب قد يشكل عنوانا جديدا لاستمرار وجود السلاح خارج الشرعية فيما لو تم سحب ورقة مقاومة اسرائيل اذا ما انجزت مهمة ترسيم الحدود، فإن هذه الوظيفة لن تكون عملة رائجة بحسب المصادر السيادية، لان من يواجه الارهاب فعلا وقولا هي المؤسسات العسكرية والامنية الشرعية ولا شريك لها في هذه المهمة كما اثبتت التجربة.