كتب فراس الشوفي في “الاخبار”:
فاتح الأميركيون الرئيس سعد الحريري بضرورة ضبط الحدود مع سوريا. النية والإجراءات الأميركية خلف حديث الحدود واضحة الأهداف: حصار المقاومة وسوريا.
لم يتردّد أكثر من مسؤول أميركي في لقاءاتهم مع رئيس الحكومة سعد الحريري خلال زيارته الأخيرة لأميركا، بطرح مسألة ضبط الحدود اللبنانية ــــ السورية وإيلائها أهميّة في المرحلة المقبلة.
بالطبع ليس التركيز الأميركي ـــ البريطاني على الحدود الشرقية والشمالية جديداً، وهو انطلق عمليّاً فور الخروج السوري من لبنان وتعزّز بعد حرب تموز 2006، تحت عدّة مسميّات، ومن أبرز أهدافه قطع خطوط إمداد المقاومة البرية من سوريا إلى لبنان وعزل دمشق عن البحر اللبناني.
ويأخذ سياق العمل الأميركي والبريطاني، أشكالاً عدّة، إن عبر دعم الجيش لتشكيل أفواج الحدود البرية الأربعة وتشييد 38 برجاً للمراقبة، أو عبر ذكر الحدود في البيانات والتصريحات الدولية من زاوية القرار 1701 والزيارات الغربية الدائمة للحدود، كما عبر مجموعة من السياسيين والإعلاميين، على رأسهم رئيس حزب القوات سمير جعجع بالإشارة المجانية الدائمة إلى الحدود.
إلّا أن الطرح الأميركي الأخير مع الحريري، أتى بحسب ما أكّدت مصادر «وسطية» لـ«الأخبار»، في «سياق جدّي ودعوة إلى ضرورة وضع خطة للدولة لضبط الحدود اللبنانية ــــ السورية بشكل نهائي»، كبندٍ ثانٍ يلي «انطلاق المفاوضات» حول الحدود البحرية والبرية الجنوبية مع فلسطين المحتلة.
وهذا الطرح ليس معزولاً عن النقاشات التي تجرى منذ جلسة المجلس الأعلى للدفاع الشهيرة، والتي جرى فيها إطلاق رقم 136 معبراً غير شرعي بين لبنان وسوريا، وصولاً إلى السجال بين جعجع ووزير الدفاع الياس بو صعب، بعدما نجحت تصريحات رئيس القوات المبنيّة على سيناريوات مختلقة في استدراج وزير الدفاع إلى مؤتمر صحافي طويل، مكمّلاً وضع الحدود تحت المجهر.
خلف تحويل الحدود اللبنانية ــــ السورية إلى قضيّة، يهدف الأميركيون إلى الآتي:
أوّلاً، إعادة إحياء القرارات الدولية المعادية للمقاومة كوسيلة ضغط سياسية على لبنان ولتأجيج النقاش الداخلي حولها، في إطار الضغط السياسي على المقاومة وحلفائها.
ثانياً، فرض واقع عسكري وأمني ومؤسساتي على الحدود وداخل إدارات الدولة والرهان عليه مستقبلاً، لخنق طرق إمداد المقاومة وتطويقها من الحدود السورية، والمنافذ البحرية والجويّة.
ثالثاً، عزل سوريا تماماً عن المتنفس اللبناني في إطار الحصار الخانق الذي يحاول الأميركيون فرضه، بالتوازي مع محاولات السيطرة الكاملة على الحدود السورية ــــ العراقية ونشر القواعد العسكرية الأميركية كما في التنف وفي المقلب العراقي، والتلويح باستخدام «قسد» والقوات الأميركية لاحتلال مدينة البوكمال ومعبر القائم وانتزاعه من يد القوات السورية. فضلاً عن الإجراءات على الحدود السورية ــــ الأردنية والعزم على تطوير السياج الحدودي والقواعد الأميركية الجديدة في الشمال الأردني.
رابعاً، إعادة التصويب على مواقع الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين ــــ القيادة العامة على السلسلة الشرقية، وأهمها قوسايا، التي يشيع ضباط الاستخبارات البريطانية والأميركية العاملون في لبنان بين الصحافيين الأجانب أنها تحوّلت إلى معبرٍ لتهريب سلاح إلى حزب الله. ويتزامن ذلك مع ما يجري في الساحة الفلسطينية بعد إجراءات وزارة العمل بحق العمال الفلسطينيين.
من هنا، يصبح النقاش الداخلي اللبناني، وتحميل الحدود اللبنانية ــــ السورية مسؤولية العجز والخسائر الجمركية، ضرباً من السطحية، مع معرفة الجميع بأن الأزمة سببها أساساً التهرب الجمركي من الشركات الكبرى والبضائع التي يتمّ تغيير بلد المنشأ عليها وتمرّ على المعابر الشرعية من سوريا وإليها، وتصيب الدولة السورية أيضاً بخسائر كبيرة.
بعد جلسة لجنة الإدارة والعدل النيابية قبل أسبوعين، تبيّن عدم دقّة الرقم 136 للمعابر غير الشرعية، إذ فنّذ ضباط مختصون لممثلي الكتل النيابية وأعضاء اللجنة واقع الحدود، وعدم دقّة المعلومات التي انتشرت، وهي المطالعة التي عاد وطرحها بو صعب في مؤتمره الصحافي بداية الأسبوع. ووُضع الحاضرون في أجواء إجراءات الجيش وعمليات ضبط المواد المهربّة. وبحسب إحصاءات الجيش، فإن قواته ضبطت منذ بداية العام ما يزيد على 330 شحنة مهرّبة، إلا أن غالبية السلع هي من الخضر والملبوسات والأسمدة الزراعية. وألحقت بعض العمليات أضراراً باللبنانيين القاطنين في الأراضي السورية والذين يملكون أراضي زراعية في مشاريع القاع ومزارع أخرى، حيث كان يصادرها الجيش. وإلى أن يتمّ التأكد من أنها تعود للبنانيين يملكون أراضي زراعية في الداخل السوري ليتم الإفراج عنها، تكون قد تلفت.
وكذلك الأمر، وَضعَ الضباط النواب الحاضرين في أجواء التنسيق الحدودي بين لبنان وسوريا، ولا سيّما الحاجة إلى تعاون أكبر، وسط التجاوب السوري الكامل الذي تمّ التعبير عنه بالتعاون مع الجيش في أكثر من نقطة حدودية والسماح له بتشييد سواتر في بقع داخل الأراضي السورية وعلى قناة المياه في محيط بلدة القصر الحدودية.
ومنذ نهاية نيسان الماضي، يجزم أكثر من مصدر أهلي وأمني في منطقة الهرمل مثلاً، أنه تم الحدّ من عمليات التهريب إلى حدود 95%، ما ينعكس بشكل سلبي على الواقع المعيشي في المنطقة. وتبدو الأزمة مرشّحة للتصاعد مع اقتراب فصل الشتاء وموسم المدارس، حيث يعتمد جزء لا بأس به من العائلات إما على أعمال تهريب، أو على شراء البضائع المهرّبة، الأقل كلفة على الأسر التي تعيش في منطقة تُصنّف محرومة من خدمات الدولة كما من استثمارات القطاعين العام والخاص.