يتقن رئيس الحكومة سعد الحريري ممارسة سياسة “الهروب إلى الأمام” عند كل المفاصل وفي كل المناسبات. يتجنّب كل المواجهات، بما فيها مواجهة الرأي العام بالحقائق. أتحفتنا مصادره تباعاً وتكراراً بعد كل محطة أو أزمة بأننا سنشهد “حريري جديد”، أو “الحريري ما بعد… لن يكون كما قبل”، ولكن اللبنانيين يُصدمون في كل مرة أن لا شيء يتغيّر، وأن الحريري باقٍ كما هو: تنازلات دائمة وهروب إلى الأمام!
ما سبب هذه المقدمة؟ السبب ببساطة تراكم ممارسات “خيالية” في سوئها في الأسابيع الأخيرة، بدأت مع ملف النفايات في الشمال بحيث وافق الحريري على اعتماد أرض في بلدة “الفوار” تعود ملكيتها لجهاد العرب، وذلك لاعتمادها لإنشاء مطمر صحي، وكانت كل المفاوضات تجري بمتابعة من عضو كتلة المستقبل النيابية النائب سامي فتفت وبعلم الحريري بأدق التفاصيل وموافقته. ولكن، وبعد أن خضع لمزايدات طائفية من بعض فاعليات طرابلس، تنصّل من الاتفاق و”غسل يديه” منه وبدأ عبر بعض رموزه بمهاجمة الحل!
تكرر الأمر مع طرح موقع تربل للمطمر، وبعدما وافق الحريري وأيّد الاقتراح، عاد ولأسباب نخجل أن نذكرها، سحب تأييده وتراجع من دون أن يتحمّل مسؤولياته كرئيس للحكومة ولو بالحد الأدنى!
أما المضحك- المبكي فهو أن الحريري، وليغطي على نكثه بوعوده لـ”القوات اللبنانية” في موضوع تعيين مرشحهم المحامي سعيد مالك في المجلس الدستوري، وللتعمية على عدم وفائه لحلفائه، عمد إلى إطلاق بعض أبواقه للهجوم على النائب ميشال معوض بذريعة أنه وقع على اقتراح القانون الرامي إلى إلغاء المادة 80 من قانون موازنة الـ2019!
تخيلوا أن الحريري الذي رتّب كل أموره مع الوزير جبران باسيل، والذي وافق ضمناً على تمرير اقتراح القانون لإلغاء المادة 80، يدفع بعض “الذباب الالكتروني الأزرق” للهجوم على النائب معوض في هذا الموضوع واتهامه بالطائفية، في حين أنه في وضع “سمنة وعسل” مع الوزير باسيل أب اقتراح القانون لإلغاء المادة 80… فأي انفصام يعيشه الحريري؟
الأكيد أن سياسة “الهروب إلى الأمام” لن تنفعه في حلّ مشاكله، لا مع “القوات اللبنانية” بعد غدره بهم، ولا مع موظفي مؤسساته الذين شرّدهم وعائلاتهم ولم يدفع لهم معاشاتهم منذ أشهر طويلة رغم الوعود الكاذبة… ومن دون أن يرف له جفن!