ربما سيحتاج حلفاء “التيار الوطني الحر” لا سيما كل من الحزب “الديموقراطي اللبناني” بزعامة طلال أرسلان وحزب “التوحيد العربي” بزعامة وئام وهاب والشخصيات الأخرى إلى أكثر من جلسة تأمل ومراجعة ونقد ذاتي، لمشهديتي بيت الدين، الأولى المتمثلة بالوفد الاشتراكي الحزبي والوزاري والنيابي والعلمائي الكبير، الذي تقدمته داليا جنبلاط كريمة رئيس “الحزب التقدمي الاشتراكي” وليد جنبلاط، والثانية لزيارة الأخير وعقيلته ونجله تيمور وما حصل بالشكل والمضمون.
في المشهدية الأولى، تكفي الاشارة إلى الحفاوة الزائدة التي حرص عليها رئيس الجمهورية ميشال عون وبالتالي الوزير جبران باسيل بالوفد “الاشتراكي” الكبير، والكلام الودّي الذي شهده لقاء جمع عون مع داليا والوزراء والنواب ومن ثم مع الوفد، بحيث تعمّد رئيس الجمهورية إطلاق المواقف الأساسية التي عادة ما يختار المناسبة المؤاتية لإطلاقها أمام هذا الوفد، والأكثر أهمية اختيار جنبلاط للنائب أكرم شهيب (وهو نائب عاليه) وليس لنائب من الشوف لإلقاء الكلمة والتحدث للصحافة، مع ما يعنيه شهيب لدى من يسمون أنفسهم المعارضة الدرزية، وهو الذي لا يخاطبه أرسلان إلا بعبارة “نائب الفتنة”، فلم يجد عون ولا باسيل أي مبرر لرفض أن يكون شهيب هو المتحدث، وهذه أول “صخرة شوفية” نزلت على رؤوس حلفاء “التيار”.
في المشهدية الثانية، برزت أناقة الاستقبال والبروتوكول الخاص في استقبال الزعيم جنبلاط وعقيلته نورا ونجله تيمور، وعلى مرحلتين، في الأولى لقاء في المكتب الرئاسي، ومن ثم الاستقبال الرسمي في الجناح الرئاسي في قصر بيت الدين الذي يعود الفضل في الحفاظ عليه وترميمه وصون مقتنياته إلى جنبلاط. فقد وقف الرئيس عون واللبنانية الأولى نادية الشامي عون في البهو الخارجي للجناح الرئاسي لاستقبال الضيف الكبير، وفي داخل القاعة كان ينتظر باسيل وعقيلته شانتال والمستشارة الرئاسية ميراي عون وزوجها روي الهاشم، والتي تطل في هذه المناسبة بعد انقطاع طال لأكثر من شهرين رسم علامات استفهام حول غيابها.
إلى طاولة الغداء الرئاسية كان حديث عن السياحة والسفر والبيئة والوضع المالي والاقتصادي، وكل الحديث الذي كان يوجه الى جنبلاط استخدمت فيه عبارات الود الشديد وأخذ المشورة والرأي، لا سيما عندما طرح عون إمكان الدعوة إلى عقد اجتماع شبيه للاجتماع الذي عُقد في 22 حزيران 2017 لرؤساء الأحزاب المشاركة في الحكومة لرسم خريطة طريق، لمواجهة الأزمة المالية والاقتصادية ووضع الجميع أمام مسؤولية اتخاذ قرارات غير شعبية، نمي أن بعضها المسّ بالرواتب مجدداً.
أما جنبلاط الهادئ والمقلّ في الكلام، فقد استعاد الماضي وصولاً إلى الحاضر وأهمية الاتعاظ من العبر وعدم الوقوع في الأخطاء نفسها، والكل كان موافقاً على كلامه، وباسيل الذي كان يمنّي النفس بأن تكون الجلسة مباشرة مع جنبلاط ليكون إخراج الحل لحادثة البساتين – قبرشمون على يديه ويقطف مع جنبلاط في السياسة على طريق الرئاسة، وصله نصف ما سعى إليه، لأن ركناً من أركان المعادلة اللبنانية مثل وليد جنبلاط له خصوصياته ومعادلاته التي يحرص عليها بشدة، وهو كما برز بعد الطائف الرئيس الرابع غير المعلن ويتم التعاطي معه على هذا الأساس.
ومن المفيد الإشارة إلى أن حضور ميراي عون بعد انقطاع عن المشاركة في اللقاءات، ربما يعود بحسب المعلومات إلى دور إيجابي لعبته مع جنبلاط إبان احتدام الأزمة فكان لها السهم الأكبر في إخراج هكذا لقاء، الذي غابت عنه كلودين وزوجها النائب شامل روكز الذي يغرّد بعيداً خارج التكتل و”التيار”.
الخلاصة أنّ جنبلاط وبعدما قطفها في قصر بعبدا… عاد ليقطفها مرة جديدة في قصر بيت الدين.