كتب شارل جبور في صحيفة “الجمهورية”:
وجد الوزير جبران باسيل أنّ مواجهاته المتنقلة وصلت إلى حدها الأقصى مع حادثة قبرشمون ـ البساتين التي كادت أن تفجِّر الوضع اللبناني، فقرر الانتقال الى المرحلة الثانية او الخطة «باء»، وهذه المرة بضوء أخضر من «حزب الله».
يعتبر باسيل انّ مواجهاته المتنقلة فعلت فعلها على مستويين: إنتزاع المشروعية التي يسعى إليها لدى «التيار الوطني الحر» وجمهوره في إظهار أنه الأقدر على مواجهة الجميع وتحصيل «الحقوق»، وبالتالي الأجدر بخلافة العماد ميشال عون. والمستوى الثاني انّ الرسالة التي أراد توجيهها إلى القيادات الإسلامية انه يخوض مواجهاته بشراسة قد وصلت، وانّ هذه القيادات باتت في مرحلة البحث عن التوافق معه لا الصدام.
ومن الأسباب التي حَتمّت الانتقال، انّ الاشتباك وصل الى حده الأقصى وباتت خسائره أكثر بكثير من أرباحه، خصوصاً انّ قدرته على كسر الآخرين غير متوافرة، بل في كل محطة تجاوز فيها هذا الاشتباك حدوده المعقولة اضطر باسيل إلى التراجع والانكسار، فيما لا يستطيع ان يواصل السياسة نفسها التي انعكست سلباً على صورته لدى جميع الطوائف والشرائح، كما انّ لمواجهاته حدوداً وضعها له «حزب الله»، وهي الحفاظ على الاستقرار.
وبالتالي، لكل هذه الأسباب وغيرها اعتبر انّ المهمة قد أنجزت، وحان الوقت للانتقال إلى الخطة «باء» التي تعني الانتهاء من مرحلة المشروعية التي تَطلّبت كل هذه المواجهات، والدخول في المرحلة الرئاسية القائمة على 3 أهداف أساسية:
الهدف الأول: التبريد مع القوى الإسلامية التي حفلت علاقته معها بسوء التفاهم، وفي طليعتها حركة «أمل» وتيار «المستقبل» والحزب التقدمي الإشتراكي، باعتبار انّ العلاقة الثابتة الوحيدة هي مع «حزب الله».
وهذا التبريد يعني وَقف المزايدات والابتعاد عن الاستفزازات، ووَقف محاولات التحجيم او التدخل في شؤون الطوائف الأخرى، والبحث عن مساحات تعاون على طريقة «سَهلّي تا سَهلَّك»، خصوصاً انه الطرف الأقوى في السلطة انطلاقاً من موقعية الرئاسة الأولى، وامتلاكه الثلث المعطّل، وعدم ممانعة الحزب في تحقيقه المكاسب الداخلية طالما انها لا تتعارض وأهدافه الاستراتيجية.
وملاحظة هامشية في هذا السياق انّ سعيه للحصول على الثلث المعطّل لم يكن بهدف تعزيز موقع الرئاسة الأولى وطنياً، بقدر ما كان الهدف منه سلطوياً ويصبّ في الخانة الحزبية الضيقة، وليس في الخانة المسيحية الواسعة.
فالعلاقة بينه وبين المكونات الإسلامية ستنتقل من الصدام والاشتباك إلى الوئام والتعاون، والدليل اتفاقه مع الرئيسين نبيه بري وسعد الحريري على المرحلة المقبلة وعناوينها الداخلية، والدليل الأهم الغداء العائلي في القصر الرئاسي في بيت الدين مع وليد جنبلاط، إذ كان بإمكانه ان يُبقي العلاقة بحدودها الرسمية بعد أزمة جَمّدت البلاد ٤٠ يوماً، واتهم فيها الرئيس ميشال عون الإشتراكي بأنه كان يريد اغتيال باسيل، وانّ في حوزته كل المعلومات وتفاصيل عملية الاغتيال.
والملامة في هذا السياق ليست على جنبلاط الذي خرج منتصراً من حادثة البساتين، بل على باسيل الذي كاد ان يجرّ لبنان الى حرب أهلية بالكلام على سجن الوزير أكرم شهيّب وحتى جنبلاط، وفي أقل من أسبوعين تتحول العلاقة الى عائلية. وإن دَلّ هذا الأمر على شيء، فعلى البراغماتية المفرطة والخالية من اي مبدئية تتحكّم بهذا العقل الذي أولويته مصالحه الذاتية على أي اعتبار آخر.
الهدف الثاني: التسخين مع «القوات اللبنانية»، إذ انّ ما ينطبق على القوى الإسلامية لا ينسحب عليها، وتجربة وصول العماد عون الى قصر بعبدا من باب معراب يجب ألا تتكرر، وبُغية عدم تكرارها يجب مواصلة السياسة التي بدأها باسيل عشيّة الانتخابات النيابية، والقائمة على تحجيم «القوات» وتطويقها وإحراجها لإخراجها من الحكومة، وإضعافها شعبياً وسياسياً ووطنياً من أجل انتزاع ورقة «الفيتو» الرئاسية منها.
وقد أثبتت كل الوقائع انّ باسيل لا يريد شريكاً مسيحياً، ولا يريد استنساخ تجربة الثنائية الحزبية شيعياً داخل البيئة المسيحية، لأنّ اي ثنائية من هذا النوع تستدعي شراكة حقيقية في كل شيء وتبادلاً للأدوار والمواقع والمسؤوليات، الأمر الذي لا يريده باسيل لا من قريب ولا من بعيد، ويعتبر انّ مهمة «القوات» انتهت بإيصال عون الى بعبدا ويجب تحجيمها وصولاً إلى الأحادية المسيحية، خصوصاً انّ نتائج الانتخابات النيابية بأصواتها التفضيلية أقلقَت باسيل ومن يقف خلفه، لأنّ «القوات» أثبتت ديموقراطياً وجود ثنائية فعلية مع مَيل شعبي لها، الأمر الذي استدعى استنفاراً لتغيير هذا المُعطى الذي لا يمكن تغييره، وفق هذه الذهنية، سوى بالحصار والتطويق.
وتلافياً لجعل بوابة «معراب» حاجة للوصول إلى «بعبدا»، فإنه يجب الشبك مع الرباعية الإسلامية «حزب الله» و«أمل» و«المستقبل» والإشتراكي، وتوسيع ثلاثية بري والحريري وجنبلاط السلطوية إلى رباعية تضم باسيل، فإذا ما تحقق ذلك يصبح الوصول الى «بعبدا» مضموناً، وبالتالي تحييد حلفاء «القوات» عنها تمهيداً لعزلها.
الهدف الثالث: الحصول على الضوء الأخضر من «حزب الله» على تحجيم «القوات اللبنانية»، وتطويقها، وشلّ دورها وإضعافها. ومعلوم انّ الحزب يعتبر انّ «القوات» تشكل خطورة على مشروعه، والتبريد الحاصل لا يعني تراجعه عن مشروعه ولا تراجعها عن مشروع قيام الدولة من دون سلاحه، وانّ تسليمها بالأمر الواقع على غرار قوى أخرى مسألة مستحيلة، كما انّ تَكيُّفها باللعبة السلطوية على غرار القوى الأخرى من دون مواصلة الدفع باتجاه تقوية الدولة غير ممكن، فضلاً عن أنّ وجودها ودورها وتَعاظُم هذا الدور سيؤدي الى صدام سياسي حتمي، عاجلاً كان أم آجلاً. وبالتالي، ولكل هذه الأسباب، لا بد من محاولة إخراجها من المعادلة وتهميشها شرط ألا يؤثر ذلك على الاستقرار.
ولأنّ المواجهة مع «القوات» ليست كالمواجهة مع الإشتراكي التي تتحوّل درزية-مسيحية، ولأنّ التخلّص من «القوات» حاجة استراتيجية لـ«حزب الله» وسلطوية لباسيل، أعطِي باسيل الضوء الأخضر لتنفيذ الخطة والمهمة من خلال محاصرة «القوات» وطنياً وسياسياً.
فهل ينجح في تحقيق هدفه؟ وهل العداوات التي خَلّفها يمكن ان تتحول تحالفات؟ وهل يشكل شخصه عامل ثقة ام نقزة وعدم ثقة بفعل التجربة والممارسة؟ وهل تتعامل معه القوى السياسية عن قناعة سياسية أم كأمر واقع ولتقطيع الوقت؟ وهل «القوات اللبنانية» في موقع المتفرّج ام الفاعل؟ وماذا عن واشنطن وباريس والرياض والعقوبات والمواجهة الإقليمية واعتبار باسيل حليفاً لـ«حزب الله»؟