Site icon IMLebanon

«المُسَيَّرتان» في الضاحية الجنوبية لبيروت… سقطتا أم أُسقِطتا؟ 

 

هل التحقتْ بيروت بسورية والعراق لتكون من ضمن «مسرح العمليات» الخلفية للمواجهة غير المباشرة بين اسرائيل والولايات المتحدة وبين إيران؟ وهل تغيّرتْ قواعد الاشتباك التي تحْكم الصراعَ «المضبوط» بين تل ابيب و«حزب الله» منذ 2006؟
سؤالان جوهريان طغيا على المَشهد في لبنان والمنطقة بعد التطوريْن النوعييْن اللذين شهدهما ليل السبت – الأحد وتمثّلا في الضربة الاسرائيلية لأهداف قرب دمشق ثم الحدَث الأمني في الضاحية الجنوبية الذي شكّله وقوعُ طائرةٍ اسرائيلية مُسيَّرة في قبضة «حزب الله» بعد سقوطها قبل انفجار طائرةٍ مماثلة ثانية فوق البقعة نفسها.
وبدت غالبيةُ الدوائر السياسية في بيروت أمس أمام صعوبةٍ في الفصل بين هذين التطورين، ولا سيما أن الضربة الاسرائيلية في محيط دمشق (عقربا) أدّت الى سقوط عنصرين من «حزب الله» (ياسر أحمد ضاهر وحسن يوسف زبيب) وجرْح اثنين آخَرين، وسط معلوماتٍ لـ «الراي» عن أن العملية الاسرائيلية شملتْ أيضاً قاعدة للطيران المُسيَّر تابعة للحزب.
ورغم أن حدَث الطائرتيْن المسيّرتيْن في الضاحية الجنوبية استقطب كل الأضواء الإعلامية كونه الأول من نوعه منذ 2006، إلا أن مصادر مطلعة تَعتبر أن ما حصل في محيط العاصمة السورية حَمَل أول إشاراتٍ بالغة الدلالات إلى محاولة اسرائيل تغيير قواعد «اللعب بالنار» في سياق المَعارك التي تخوضها لتحقيق أهداف الردع الاستباقي من دون إشعال فتيل الحرب الكبرى التي لا تريدها، ذلك أنها بإسقاطها قتلى في صفوف «حزب الله» خرجتْ عن ضوابط المواجهة «المُدَوْزَنة» والمحكومةِ عملياً بـ «اتفاق جنتلمان» بضمانة «ضابط الإيقاع» الروسي يقضي بمنْع اسرائيل من استهداف المقاتلين من «حزب الله» المُشارِكين في المعارك مع النظام السوري، وفي الوقت نفسه السماح لتل ابيب بضرب ما تَعتبره تهديداً لأمنها مثل قوافل الصواريخ «الكاسِرة للتوازن» والتي دأبت اسرائيل على «اصطيادها» مع تَفادي وقوع إصاباتٍ بشرية يمكن أن تشكل «فتائل تفجيرية».
وإذ كان لافتاً عدم صدور أي تبنٍّ اسرائيلي للطائرتيْن المسيّرتيْن واذا كانتا من «أفواجها» (على عكس مجاهرتها بمسؤوليتها عن «عملية عقربا» وحيثياتها) وسط روايات لمحللين عسكريين عبر بعض صحفها رجّحت أن تكون الطائرتان إيرانيّتين واعتبار ان لاسرائيل وحزب الله «مصلحة مشتركة بتهدئة الأوضاع على الأقل في الجبهة اللبنانية»، فإن ما استوقف أوساطاً سياسية في بيروت بروز روايتيْن بإزاء ما شهدتْه الضاحية الجنوبية:
* الأولى أنهما «سقطتا»، وهي التي تبنّاها «حزب الله»، بعدما كان تحدّث أولاً عن «إسقاط» الطائرة التي انفجرت. وفي هذه الرواية بحسب المسؤول الإعلامي في الحزب محمد عفيف، أن الطائرة الأولى سقطت من دون أن تُحْدِث أضراراً، في حين أن الطائرة الثانية كانت مفخَّخة وانفجرتْ وتسببت بأضرار جسيمة في مبنى المركز الإعلامي التابع لحزب الله في الضاحية الجنوبية، كاشفاً أن الطائرتين كانتا تستهدفان «هدفاً ما لم يتم تحديده بعد في التحقيقات»، وموضحاً «أن الطائرة التي لم تنفجر هي الآن في عهدة الحزب الذي يعمل على تحليل خلفيات تسييرها والمهمات التي حاولت تنفيذها».
وثمة مَن يرى أن سيناريو السقوط «بلا سبب معلن» للطائرتيْن موجّه الى الداخل اللبناني بما يلاقي خطاب «العدوان الاسرائيلي» الذي رفعه لبنان الرسمي تجاه ما حصل في الضاحية والذي أعقبه تحليقٌ كثيف للطيران الاسرائيلي في أجواء بيروت ومناطق أخرى.
وقد تبلْور هذا الموقف أولاً مع بيان قيادة الجيش التي أعلنت أنه «قرابة الساعة 2.30 فجر الأحد وأثناء خرق طائرتيْ استطلاع تابعتين للعدو الإسرائيلي الأجواء اللبنانية فوق منطقة معوض – حي ماضي في الضاحية الجنوبية، سقطت الأولى أرضاً وانفجرت الثانية في الأجواء متسببة بأضرار اقتصرت على الماديات»، قبل أن تتوالى الإدانات من الرئيس ميشال عون الذي اعتبر «العدوان الإسرائيلي السافر على الضاحية فصلاُ من فصول الانتهاكات المستمرة للقرار 1701»، ثم رئيس الحكومة سعد الحريري الذي وصف «سقوط طائرتي استطلاع اسرائيليتين فوق الضاحية، بأنه اعتداء مكشوف على السيادة اللبنانية وخرق صريح للقرار 1701»، ومؤكداً لوزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو في اتصال هاتفي، مخاطر استمرار إسرائيل في انتهاك القرارات الدولية والسيادة اللبنانية.
أما وزير الخارجية جبران باسيل فأوعز بـ«التقدم بشكوى فورية إلى مجلس الأمن لإدانة هذا الخرق الخطير للسيادة اللبنانية»، مؤكداً «أن حرْص لبنان على الالتزام بقرارات الشرعيّة الدوليّة وتمسّكه بالاستقرار لا يُسْقِط حقه بالدفاع عن السيادة الوطنية والقيام بما يلزم لصونها».
* أما الرواية الثانية فلم تستبعد أن تكون الطائرتان أُسقطتا، انطلاقاً من سيناريو إمكان أن يكون «حزب الله»، الذي يرْصد حركة الطائرات المُسَيَّرة الاسرائيلية منذ أيام في أكثر من منطقة لبنانية وبينها الضاحية، تمكّن من تحقيق اختراق تقني أتاح له التحكم بإحدى الطائرتين التي وصلت إلى «يديه» سليمة (رغم رواية أنها أسقطت بحجر وتردّد ان نوعها Matrice 600)، بما يجعل لحاق الثانية بها مفخَّخةً هو بهدف «تصفيتها» كي لا تُكشف مهماتها وتقنيتها، أو أن عطلاً تقنياً أصاب الأولى فأُسقطت الثانية قبل «إعدامها».
وهذه الرواية تجعل من هذا التطور بمثابة «ردّ سريع» على العملية الاسرائيلية في سورية وبمثابة توجيه رسالة «على الحامي» لتل ابيب بأن اللعب مع «حزب الله» على غير النسَق الذي يحصل بالعمليات الموْضعية في العراق وسورية «ممنوع».
وبأي حال، وفي ظل ترجيحاتٍ كانت سادتْ نهاراً وسط «حبْسِ أنفاس»، بأن «حزب الله» سيردّ «بالأسلوب نفسه» ويبقى تحديد المكان والزمان وأنه رفع حال الجهوزية في صفوفه، حسم الأمين العام لـ «حزب الله» السيد حسن نصرالله مساء أمس، خيار الردّ على ما حصل في سورية والضاحية الجنوبية، معلناً «اننا منذ الآن سنعمل على إسقاط المسيّرات الاسرائيلية في الأجواء اللبنانية وليأخذ الاسرائيليون عِلْما»، متوعّداً الاسرائيليين في ضوء سقوط عنصريْن من الحزب في سورية «أقول للجيش الاسرائيلي قف على الحائط على «رجل ونصف وانتظِرْنا».