تعكس دعوة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو للأمين العام لحزب الله اللبناني حسن نصرالله إلى الهدوء، عدم رغبته في بلوغ المواجهة بين الجانبين نقطة اللاعودة، وسط تسريبات من الحزب على أنه يتجه للقيام بـ“ضربة مدروسة” لا تؤدي لاندلاع حرب غير مرغوب فيها من كلا الجانبين.
وقال نتنياهو في كلمة “سمعت ما قاله نصرالله. أقترح عليه أن يهدأ. فهو يعلم جيدا أن إسرائيل تعرف كيف تدافع عن نفسها وترد على أعدائها”.
وأضاف “أود أن أقول له وللدولة اللبنانية التي تحتضن المنظمة التي تسعى إلى تدميرنا، وأقول لـ’قائد فيلق القدس’ قاسم سليماني، كونوا حذرين في كلامكم وأكثر حذرا في أفعالكم”.
وجدّ ليل السبت/ الأحد الماضي سقوط طائرتين مسيرتين إسرائيليتين في الضاحية الجنوبية لبيروت حيث المربع الأمني لحزب الله، إحداهما انفجرت مما أوقع أضرارا بالمركز الإعلامي للحزب.
وجاءت “عملية الضاحية” بعد ساعات من غارات جوية استهدفت مبنى في بلدة عقربة بالقرب من العاصمة السورية دمشق أدت إلى مقتل عدد من العناصر بينهم اثنان من حزب الله، وأعلنت إسرائيل مسؤوليتها عنها، معتبرة أن الهدف كان عناصر من فيلق القدس، الجناح الخارجي للحرس الثوري الإيراني، كانوا يعدون هجوما بطائرات مسيرة على مواقع إسرائيلية.
وتراجع حزب الله عن قراءته الأولية حيال “عملية الضاحية” حينما اعتبر أن الطائرة المسيرة الأولى التي سقطت كانت استطلاعية، مؤكدا الثلاثاء وجود مواد متفجرة بداخلها تزن أكثر من خمسة كيلوغرامات.
وقال الحزب في بيان إنه “بناءً على المعطيات الجديدة التي توفرت بعد تفكيك الطائرة وتحليل محتوياتها فإننا نؤكد أن هدف الطائرة المسيرة الأولى لم يكن الاستطلاع وإنما كانت تهدف إلى تنفيذ عملية تفجير تماماً كما حصل مع الطائرة المسيرة الثانية”.
وتابع “وبالتالي فإننا نؤكد أن الضاحية كانت قد تعرضت ليل السبت/ الأحد الماضي لهجوم من طائرتين مسيرتين مفخختين، تعطلت الأولى فيما انفجرت الثانية”. وكان الأمين العام للحزب قد وصف في كلمة له الأحد الحادث بـ“التطور الخطير جدا جدا جدا”، لافتا إلى أنه “أول عدوان إسرائيلي منذ حرب تموز 2006”، متوعّدا برد وشيك.
واعتبر نصرالله أن الصمت عن العملية سيعني مواجهة ذات السيناريو العراقي حيث تتعرض مواقع للحشد الشعبي المدعوم من إيران لهجمات متكررة، لمحت إسرائيل في أكثر من مناسبة عن وقوفها خلفها، مشددا “لن نسمح بذلك مطلقا”.
وقال نصرالله “أقول للجيش الإسرائيلي على الحدود.. من الليلة قف على الحائط على رجل ونصف وانتظرنا.. يوم يومان ثلاثة أربعة.. انتظرنا.. (لأن) ما حصل ليلة أمس لن يمر معنا. لن يمر”.
والاثنين ذكر الرئيس اللبناني ميشال عون أن لبلده الحق في الدفاع عن نفسه، وشبه الهجوم بالطائرتين المسيرتين بأنه “بمثابة إعلان حرب” بينما حث رئيس الوزراء سعد الحريري المجتمع الدولي على المساعدة في تجنب “تصعيد خطير”، مجريا عدة اتصالات للحيلولة دون “وقوع المحظور”، كان آخرها مع وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف.
ورفعت إسرائيل حالة الاستنفار على الحدود مع لبنان، وقالت هيئة البث الإسرائيلية الرسمية، الثلاثاء، “تتواجد قوات من الجيش الإسرائيلي على أهبة الاستعداد في الجبهة الشمالية للتعامل مع أي هجوم قد تنفذه منظمة حزب الله، انتقاما لمقتل اثنين من عناصرها إثر الغارة الإسرائيلية في سوريا ليلة السبت الماضي”.
رغم التفوق العسكري الإسرائيلي نتنياهو لا يمكنه التكهن بمآلات تلك المواجهة
وأضافت الهيئة “يسود الاعتقاد لدى الدوائر الأمنية في إسرائيل، أنه ستتم محاولة ضرب أهداف عسكرية في شمال البلاد”.
ويرى مراقبون أنه بالرغم من التصعيد الجاري والتصريحات الكلامية عالية الصوت بيد أن حزب الله كما إسرائيل لا يريدان المواجهة حاليا لعدة اعتبارات. فالحزب المدعوم من إيران لا يزال منخرطا بقوة في النزاع السوري، رغم حديث عن إعادة تموقع نتيجة تقلص المساحات الخارجة عن سيطرة الحكومة السورية.
إلى جانب ذلك يواجه حزب الله أزمة مالية خانقة، فضلا عن الصعوبات الاقتصادية الجمة التي يواجهها لبنان وبالتالي فالحزب يعلم أن أي مواجهة ستعني دمارا كبيرا له وللبنان.
ويقول محللون إنه لا يجب تجاهل واقع أن إيران لن ترغب في هكذا مواجهة في هذا التوقيت بالذات خاصة مع توجهها لإجراء حوار مع الإدارة الأميركية، بشأن القضايا الخلافية المثقلة بينهما والتي كادت تتسبب في تصعيد عسكري خطير بالمنطقة.
ويشير المحللون إلى أن هناك قناعة سائدة لدى الدوائر الإيرانية بأن التصعيد الإسرائيلي في لبنان كما في سوريا والعراق ضد ميليشيات موالية لها، في علاقة بتراجع منسوب التوتر بين طهران وواشنطن، وتوجه الطرفين إلى طاولة الحوار.
ويرى المحللون أن هذا الاعتقاد لا يمكن تجاهله، مذكرين بأنه حينما بلغت المحادثات الإيرانية مع الإدارة الأميركية السابقة برئاسة باراك أوباما مرحلة متقدمة انتهت بالتوصل إلى اتفاق بشأن النووي الإيراني في يونيو 2015 عمدت إسرائيل إلى التصعيد بشكل لافت ضد الميليشيات الإيرانية ومن بينها حزب الله في الأراضي السورية.
وكانت إسرائيل قد شنت في الأشهر الأولى من العام 2015 عدة غارات على مواقع للحرس الثوري ولحزب الله في سوريا لعل أخطرها تلك التي وقعت في يناير من العام 2015 بالقنيطرة وقد أدت إلى مقتل 7 نشطاء من حزب الله وإيرانيين من بينهم جهاد مغنية، نجل القيادي العسكري عماد مغنية الذي قتل في تفجير في العاصمة دمشق عام 2008.
وفي مقابل وجود عدة دوافع تحول دون قيام حزب الله بردّ “كبير” على إسرائيل فإن الأخيرة بدورها لا ترغب في هكذا منحى لدوافع كثيرة من بينها، الاستحقاق الانتخابي (الكنيست) الذي لم يعد يفصل عنه سوى أسابيع قليلة، ويدرك نتنياهو بأنه رغم التفوق العسكري الإسرائيلي إلا أنه لا يمكن التكهن بمآلات تلك المواجهة.
وهناك شبه قناعة بأنه رغم النبرة العالية والرسائل الحادة التي وجهها نصرالله، إلّا أنه من غير المرجح أن يوجه حزب الله ضربة تنسف قواعد الاشتباك، وقد يقوم بعملية شبيهة لتلك التي قام بها في مزارع شبعا ردا على عملية القنيطرة، وأدت إلى مقتل ضابط وجندي إسرائيليين.
وأفاد مصدران مطلعان لوكالة “رويترز” بأن حزب الله يخطط لتنفيذ “ضربة محسوبة” ضد إسرائيل، ردا على حادث بيروت، لن تؤدي إلى اندلاع حرب في المنطقة.
وقال أحد المصادر “يتم الترتيب الآن لرد فعل مدروس بحيث لا يؤدي ذلك إلى حرب لا يريدها حزب الله ولا إسرائيل.” وأضاف “التوجه الآن لضربة مدروسة. ولكن كيف تتدحرج الأمور هذا موضوع ثان، فالحروب لا تكون دائما نتيجة قرارات منطقية”.
نصرالله توعد بالرد على الهجوم الاسرائيلي على لبنان “مهما كلف الثمن”
وبدا كلام المصدرين رسالة ضمنية لإسرائيل بأن الحزب مضطر لتنفيذ تعهد نصرالله لحفظ ماء الوجه لكن دون الرغبة في ذهاب الأمور نحو حرب واسعة.
ويراهن حزب الله على الدبلوماسية والاتصالات اللبنانية للضغط على إسرائيل وبدا ذلك واضحا في كلمة نصرالله الأحد، حينما وجه رسائل لحكومة سعد الحريري بالتحرك لدى الولايات المتحدة لـ“ردع إسرائيل”.
وبالفعل فإن الحريري أجرى عدة اتصالات كان من بينها مع وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو، الذي دعا إلى التهدئة وأيضا مع وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف الثلاثاء.
ويدرك الحريري أن روسيا قادرة على لعب دور في تهدئة الوضع بالنظر لعلاقتها مع إسرائيل وإيران فضلا عن كون أي تدهور قد يعني فقدان موسكو لزمام السيطرة في سوريا وعودة خلط الأوراق.
وقال الحريري ، خلال اتصاله بلافروف إن “الاعتداء الإسرائيلي الذي استهدف منطقة ضاحية بيروت الجنوبية هو عمل خطير واعتداء على السيادة اللبنانية وخرق للقرار 1701 الذي أرسى الهدوء والاستقرار طوال السنوات الماضية”.
وشدد رئيس الوزراء اللبناني على أن “لبنان يعوّل على الدور الروسي في تفادي الانزلاق نحو المزيد من التصعيد والتوتر، وتوجيه رسائل واضحة لإسرائيل بوجوب التوقف عن خرق السيادة اللبنانية”.
وأكد أن “اعتداء إسرائيل على منطقة مأهولة بالسكان المدنيين وجه ضربة لأسس حالة الاستقرار التي سادت الحدود منذ صدور القرار 1701، ويهدد بتصعيد خطير للأوضاع في المنطقة، لا يمكن التكهن بنتائجه”.