لم ينتظر الجيش اللبناني “حزب الله” ليدافع عن سيادة لبنان وحدوده، فأخذ المبادرة بالتقدم خطوة ولو بسيطة باتجاه استرداد قرار الدولة بالحرب والسلم، مسجلاً في مسيرته و”للمرة الأولى” اطلاق نيران على طائرات الاستطلاع الإسرائيلية التي تخرق القرار 1701، وأعلن الجيش في بيان انه تصدى لطائرتي استطلاع حلقتا فوق أحد مراكز الجيش في العديسة وثالثة كانت تحلّق فوق كفركلا وأطلق النار عليها ما اضطرها للعودة من حيث أتت. جرأة عسكرية يصح أن تحمل عنوان “العديسة 2” بعد الاشتباكات التي خاضها الجيش في آب من العام 2010 مع الجيش الإسرائيلي الذي تجاوز الخط التقني لاقتلاع أشجار بهدف تركيب كاميرا، ما أدى إلى استشهاد ثلاثة جنود لبنانيين ومدني ومقتل قائد كتيبة دبابات إسرائيلي واصابة جنديين آخرين.
“العديسة 2” التي أتت تنفيذاً لقرار المجلس الأعلى للدفاع، علّها تكون رسالة إلى الداخل والخارج في أن الجيش يحتاج لأن يكون الأمر له وحده، في يوم تصادف فيه الذكرى السنوية الثانية لمعركة “فجر الجرود” الشاهدة على قدراته في الدفاع عن الحدود والحسم الذي أبهته “حزب الله” بنقل الإرهابيين بباصات مكيفة، لكن رسالة قائد الجيش العماد جوزيف عون من جرود عرسال، حيث وضع إكليلاً من الزهر على النصب التذكاري للعسكريين الشهداء وأضاء شعلة لتخليد ذكراهم وتضحياتهم، كانت واضحة: “وجودنا هو رسالة لكل إرهابي بأننا لن ننسى شهداءنا، وإنه سيدفع ثمن غدره”.
تحرّك السلاح الشرعي سبقه تحذير أممي من تراخي لبنان تجاه إمساكه بسيادته، خصوصاً بعدما أظهر “حزب الله” أنه من يمسك قرار السلم والحرب بمعزل عن موقف الدولة، إذ أعرب المنسق الخاص للأمم المتحدة في لبنان يان كوبيتش خلال جولته على المسؤولين عن خشيته من تراخي الدولة اللبنانية تجاه امساكها بسيادتها، في وقت كانت تنقل فيه القائمة بأعمال السفارة الفرنسية في بيروت سالينا غرونيه كاتالانو، خلال زيارتها وزير الدولة سليم جريصاتي في بيت الدين، موقف بلادها الداعي إلى ضرورة ضبط النفس لا سيما أن لبنان على مشارف التمديد للقوات الدولية العاملة في الجنوب “اليونيفيل”، خصوصاً أن فرنسا ساهمت مع دول أخرى في اعتماد ” قرار ملائم” من شأنه التمديد للقوات الدولية سنة إضافية.
وفي ظل وجود لاجئين سوريين في لبنان ووضع اقتصادي متدهور وحركة إقليمية متفجرة، كان رئيس الحكومة سعد الحريري يدرك خطورة أي تصعيد من شأنه أن يؤدي إلى حرب تزيد من اشعال النيران في المنطقة إلى حد الانفجار، فواصل جهوده منذ اللحظات الأولى مع سفراء الدول الغربية والعربية بمهمة واضحة تتمثل في تشكيل دائرة ضغط على إسرائيل لمنعها من التصعيد، وخاطب السفراء وفق معادلة “واجبنا حماية لبنان وواجب المجتمع الدولي والعربي حماية استقرار المنطقة”، وبأن إسرائيل هي من بادرت بكسر القواعد والاعتداء وتهديد استقرار حدود عمره 13 سنة.
في اطار اتصالاته الديبلوماسية، استقبل الحريري في السراي الحكومي، سفراء الدول العربية. وبعد اللقاء تحدث عميد السلك الديبلوماسي العربي سفير الكويت عبد العال القناعي فقال: “استمعنا للرئيس الحريري حيث قدم عرضاً لرؤية لبنان حول الأحداث التي جرت أخيراً في بيروت والضاحية الجنوبية، وأكدنا كدول عربية وقوفنا وتأييدنا وحرصنا على أمن لبنان واستقراره وما يتخذه من إجراءات أو سياسات كفيلة بالحفاظ على سلامة أراضيه، فالاستقرار في هذا البلد هو مطلب وحرص عربي بأن يكون لبنان بمنأى عن كل ما يهدد أمنه واستقراره”.
وأكد أحد السفراء العرب لـ”نداء الوطن” أن الحريري شرح للسفراء بأن إسرائيل هي التي اعتدت على لبنان وأن الحزب ليس المعتدي. ونقل السفير قلق رئيس الحكومة وتوجسه من تداعيات أي ضربة وردة فعل، وطلب من السفراء السعي لدى سلطاتهم كي يتواصلوا مع حلفائهم من الدول الغربية مثل الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا، كي تضغط على اسرائيل وتمنعها من رد فعل عنيف. وأبلغ الحريري السفراء العرب أنه عاد بايجابية من الولايات المتحدة، خصوصاً في ما يتعلق بملف ترسيم الحدود وان الأشهر الستة المقبلة أكثر من مهمة بالنسبة إلى لبنان. في المقابل نقل سفراء أن الهمّ الذي يجمعهم هو ان لا يكون لبنان ساحة حرب، لكن على الدولة اللبنانية أن تضغط على الحزب كي يتفادى التصعيد.
كما طلب رئيس الحكومة من سفراء دول الاتحاد الأوروبي لعب دور مع اسرائيل كي لا تشن حرباً على لبنان إذا ما بادر “حزب الله” بالرد على ما تعرض له. وابلغهم أنه طلب من “حزب الله” ضبط النفس لكن الحزب لن يقبل بعدم الرد.
وعلمت “نداء الوطن” أن الحريري اتصل بالأمين العام للجامعة العربية أحمد أبو الغيط، داعياً إياه إلى إصدار بيان ولعب دور ممكن ينتج عنه إيجابية ويؤدي الى تجنيب لبنان خطر الإنزلاق إلى حرب.
وحمّلت الرسائل الأميركية “حزب الله” مسؤولية أي تصعيد، وقالت السفيرة الاميركية للمسؤولين إن ما حصل في الضاحية الجنوبية “لم يوقع أي ضحايا وبالتالي على الحزب مراقبة خطواته لأن إسرائيل لن تمزح”.
أما “حزب الله” فلا تزال مصادر مقربة منه تؤكد حتمية الرد وسيكون له ردّان: على الضربة داخل الأراضي السورية والتي سقط نتيجتها مهندسان يعملان في تطوير السلاح، ورد آخر على خرق طائرتي تجسس نقطة حساسة في الضاحية الجنوبية. لكن الردّين يبدو أنهما يحملان عنوان “حفظ ماء الوجه” وعدم الاستعداد لما بعد الرد، وحسمها وزير “حزب الله” محمود قماطي وكأنه العالم برد فعل إسرائيل على أي ضربة من “الحزب” بالقول من بلدة زوطر الغربية: “لن نجعله يمر هذا العدوان من دون ردّ ولن يُحدث الردّ أيّ حرب”.