كتبت ناتالي اقليموس في صحيفة “الجمهورية”:
مع إقتراب العدّ العكسي لانطلاق العام الدراسي في أيلول وعودة التلامذة تدريجاً إلى صفوفهم وفق مراحلهم التعليمية، يكاد يتحوّل وزير التربية والتعليم العالي أكرم شهيب إلى رجل إطفاء بالتزامن مع إستعادة المعلمين نفسَهم النضالي.
إفتتح المتعاقدون، الاربعاء، والمستعان بهم في التعليم الرسمي الحركة المطلبية إستباقاً لهذا العام. في المقابل علمت «الجمهورية» أنّ معلّمي التعليم الخاص يُواصلون معركتهم القضائية في وجه صندوق التعويضات لنيل مستحقاتهم بحسب القانون 46 «ع آخر فرنك»، فيما يُشير مصدر مسؤول إلى أنّ عدد «الأساتذة المصروفين بشكل تعسّفي للسنة الدراسية 2019-2020 تجاوز الـ130 مربّياً، وهذا ما لن نسكت عليه».
لم يكن من داعٍ أمس إنتظار حضور المزيد من المعلمين المتعاقدين للمشاركة بالتحرك في ساحة رياض الصلح، فصرخةُ إحدى المعلمات المتضاهرات النابعة من رحيف قلبها كانت كافية لنقل قساوة الواقع الذي يتخبطون به، «ما معنا حقّ إجرة الطريق»، فتوضح زميلتُها: «نتقاضى 3 دفعات في السنة والدفعة الثالثة عن العام الدراسي المنصرم لم نحصل عليها بعد».
متعاقدو الثانوي
بشيءٍ من الخيبةِ والملل من الوعود الفارغة، سابق متعاقدو التعليم الرسمي والمُستعان بهم بدءَ العام الدراسي وأطلقوا صرختهم المطلبية التي تتراوح بين التثبيت، الضمان، وبدل النقل، وإلى جانب تلك المطالب، عتب شديد من المتعاقدين على لجنة التربية «لعدم جدّيتها في التعاطي مع اقتراح القانون المقدَّم لتثبيتهم».
في هذا السياق، يوضح منسّق حراك المتعاقدين في التعليم الثانوي حمزة منصور لـ«الجمهورية»: «جُلّ ما نطلبه الضمان الصحي وبدل نقل بالدرجة الأولى، ثمّ الإلتزام بتسديد المستحقات للعام الدراسي الجديد، فلا بدّ من وضع آلية عمل تحفظ كرامة المتعاقد من دون أن ينزل في كل مرة إلى الشارع ليرفعَ الصوت، فنحن لسنا هواة إعتصام لا في الحرِّ ولا في البرد، كذلك إستحداث آلية لحفظ ساعات المتعاقد أيام الإضرابات والعطل القسرية». وأضاف: «نطالب بحفظ حقّ المتعاقد بمراقبة الامتحانات المدرسية، فثمّة ثانويات بذريعة التوفير تُقصي المتعاقد عن المراقبة، بالإضافة إلى مراجعة الصيغة القانونية الخاصة بانتهاءِ سنوات خدمة المتعاقد».
المُستعان بهم
أما المعلمة كاملة ر.، فعبّرت عن صرخة المعلمين المُستعان بهم، قائلة: «لا أحدَ يُصدق أننا نشتهي فقط أن نكون متعاقدين ونحظى بعقود تحفظ شيئاً من أبسط حقوقنا»، مشيرة إلى «أنّ خطأنا هو أننا نحو 12 ألف معلم لبّينا حاجة الدولة لمعلمين بالتزامن مع مشكلة النازحين السوريين، فتقدّمنا للتدريس على أساس أننا متعاقدون وكان ذلك في العام 2014، وبعد شهرين من التعليم صدر تعميمٌ بأنّ الأساتذة الجدد في التعاقد لا تُوقَّع عقودُهم إلّا بعد إجراء مقابلات شفهية وذلك لتنظيم التعاقد وتفادي العشوائية، وهكذا تمّ. أجرينا المقابلات الشفهيّة فنجحنا ورغم ذلك لم تُوقّع عقودَنا، واليوم لم يعد بوسعنا تحمّل الفوضى ولا مصيرَ مستقبلنا، كل ما نسمعه أننا نعمل على مسؤوليتنا الخاصة، الدولة لا تتكفّل بنا». وتابعت: «بعدما تقصّينا عن وضعنا، تبيّن لنا أنّ أسماء بعضنا وُضعت وكأننا نعلّم بعد الظهر فقط للإستفادة من العدد وإستجلاب الأموال على أسمائنا من الدول المانحة. مؤسف حقاً أن نعيش كرهينة لمزاجية المدير الذي قد يتخلّى عنا في أيّ لحظة مستغلّاً عدم وجود عقد بين المعلم المُستعان به والدولة». وتتابع بنبرة تعتصرها الخيبة: «عُدنا وتقصّينا أكثر عن قضيّتنا وعرفنا أنّ هناك مَن يجني أموالاً هائلة بسبب وجود فوضى في ملف الأساتذة المُستعان بهم وليس من مصلحته ترتيب وضعنا، حتى إنّ هناك أسماء لمعلمين مُستعان بهم وفي الواقع هم لا يدرّسون». وتضيف: «دخلت مشكلتنا العامَ السادس ومن وزير إلى آخر لا نزال «ع الأرض يا حكم».
حركة إطفاء
بفارغ الصبر كان ينتظر المتعاقدون لا سيما في التعليم الثانوي الرسمي موعد لقائهم مع وزير التربية والتعليم العالي أكرم شهيّب بعد الظهر في مكتبه في الوزارة. للمرة المليون كانوا يضعون اللمسات الأخيرة على ورقتهم المطلبية التي هي نفسها منذ نحو 20 سنة، والتي حملت إضاءة شاملة على حقوقهم ومطاليبهم بدءاً من الحفاظ على العقود والساعات، مروراً بالحق بزيادة الساعات للأساتذة الذين حُرموا منها العام الماضي، وصولاً إلى الحقّ بالاستشفاء والضمان وبدل النقل والراتب الشهري.
قرابة الخامسة إستقبل شهيّب وفداً من حراك المتعاقدين برئاسة حمزة منصور واستمع إلى مجمل النقاط والمطالب محاوِلاً إمتصاصَ نقمتهم وفي الوقت عينه محاولاً طمأنتهم، فقد لفت إلى أنه «يضع في مقدمة إهتماماته موضوع الشمول في الضمان الإجتماعي، وتوفير بدل النقل، مؤكداً متابعته الأمر مع المعنيّين». ولفت شهيّب إلى أنه «في ظلّ قرار منع التعاقد الجديد ومنع التوظيف وتوافد التلامذة إلى المدرسة الرسمية، وفي ظلّ التناقص مع خروج نحو 1200 معلم إلى التقاعد سنوياً فإنّ المتعاقدين القدامى لن يخسروا تعاقدهم».
لم يكن ملفُّ متعاقدي الثانوي الوحيد على طاولة شهيّب، فلم يحر أمس لمَن يصغي أو جبهات من المعلمين يطفئ، إذ إستمع للجنة متعاقدي الأساسي المجازين وغير المجازين، والمُستعان بهم، واستمع إلى مطالبهم التي كان أساسها الضمان الصحي. فطمأن شهيب المعلمين أنه سوف يتابع الأمر مع وزير العمل والمدير العام للضمان. وطالب المعلمون كذلك بتجديد التعاقد مع بداية العام الدراسي، وبمساواة حملة الإجازة الفنّية في التربية مع الإجازات الجامعية، وطالبوا باحتساب دورات التدريب التي يتابعونها في دور المعلمين ضمن ساعات التعاقد. كذلك طرح المتعاقدون للمكننة تطبيق المرسوم الذي يسمح لهم بالإنضمام إلى الضمان الإجتماعي، فيما طرح المُستعان بهم مطلبهم بالمساواة في أجر الساعة مع المتعاقدين الآخرين. كذلك طرح المتعاقدون القدامى من المجازين وغير المجازين الإستقرارَ النسبي عبر تعويض لائق لنهاية الخدمة، كما شكوا من إنتزاع ساعات تعاقد القدامى وإعطائها إلى الجدد.
في المحصلة، خرج المعلمون من الاجتماع «ممنونين» وحذرين في الوقت نفسه، آملين أن تَصدق الوعود بعدما أبلغهم شهيّب انّ «الأولوية هي للضمان الاجتماعي، وإذا كان هناك إمكان لتحسين أجر الساعة والتعويض عند نهاية الخدمة فسيكون ذلك مكسباً في هذه الظروف المالية الصعبة»، واعداً بـ»متابعة المواضيع التي يمكن تسريعُها داخل الوزارة من أجل تأمين تعويضاتهم في الوقت المناسب».