كتب د. عامر مشموشي في صحيفة “اللواء”:
الرسائل التي تلقاها المسؤولون اللبنانيون من معظم الدول التي اجريت اتصالات معها، تدعوهم للتحصن بضبط النفس
يواصل رئيس مجلس الوزراء سعد الحريري تحركه الدبلوماسي، على وقع «غليان» متصاعد الوتيرة من فوهة أزمة «المسيرتين» التي استهدفت الضاحية الجنوبية معقل «حزب الله»، حاثاً الجميع على الضغط للجم إسرائيل وتفادي الانزلاق نحو مزيد من التصعيد والتوتر، وتوجيه رسائل واضحة لإسرائيل بوجوب التوقف عن خرق السيادة اللبنانية، ونسف كل القرارات الدولية، ولا سيما القرارين 1701 و1559 الذي أرسى الهدوء على الحدود بينها وبين لبنان.
فبعد الاتصالين الهاتفيين اللذين اجراهما مع وزير الخارجية الأميركي ووزير الخارجية الروسي وطلب منهما التدخل مع إسرائيل للتوقف عن خرق القرارات الدولية، وبعد اجتماعه للغاية نفسها مع سفراء الدول الخمس الدائمة العضوية في مجلس الأمن الدولي، اجتمع أمس مع سفراء الدول العربية ووضعها في أجواء التطورات وتمنى على حكوماتها توفير كل دعم للجهود الدبلوماسية التي يبذلها لبنان مع الأمم المتحدة ومع دول القرار من أجل إعادة احياء قواعد الاشتباك التي أرساها القرار 1701. ويفهم من التصريح الذي أدلى به عميد السلك الدبلوماسي العربي سفير الكويت عبد العال القناعي ان السفراء العرب بعدما استمعوا إلى العرض الذي قدمه الرئس الحريري، أكدوا على حرص الدول العربية بأن يكون لبنان بمنأى عن كل ما يُهدّد امنه واستقراره، وقد فتحت هذه العبارة الباب لاسئلة كثيرة، عمّا إذا كان السفراء العرب يصوبون إلى حق الحكومة اللبنانية المفقود في قرار الحرب والسلم، وهل هي في وضع يسمح لها بذلك؟ وقد اتسعت رقعة هذا السؤال بعد التصريح الذي أدلى به المنسق الخاص للأمم المتحدة يان كوبيتش بعد اجتماعه أمس بوزير الخارجية جبران باسيل وبرئيس حزب الكتائب استكمالاً لجولته على كبار المسؤولين والذي اعرب فيه عن خشيته من تراخي الدولة اللبنانية تجاه امساكها بسيادتها.
وفيما كان عميد السلك الدبلوماسي العربي والمنسق الخاص للأمم المتحدة يؤشران بوضوح إلى مدى إمساك الدولة بقرار السلم والحرب ومدى قدرته على اتخاذ الإجراءات واعتماد السياسات الكفيلة بالحفاظ على امنه واستقراره وسلامه أراضيه على حدّ ما ذهب إليه عميد السلك الدبلوماسي كان وزير الدولة لشؤون رئاسة الجمهورية سليم جريصاتي يتبلغ من القائمة بأعمال السفارة الفرنسية في بيروت سالينا غرونيه كاتالانو موقف بلادها الداعي إلى ضبط النفس لا سيما وان لبنان على مشارف التمديد للقوات الدولية العاملة في الجنوب «اليونيفل».
وتقول مصادر لبنانية مطلعة ان الرسالة الفرنسية هذه، والرسائل الأخرى التي تلقاها المسؤولون اللبنانيون من معظم الدول التي اجريت اتصالات معها، تحمل دعوة واضحة إلى لبنان للتحصن بضبط النفس، وعدم الانزلاق إلى هاوية الفعل ورد الفعل، وهذا يتطلب منها في الدرجة الأولى الإمساك التام بالوضع الداخلي وعدم السماح بالخروج عليها والتفرد في اتخاذ القرارات، بالنيابة عنها كما هو الحال بعد تفرد «حزب الله» في القرار من دون الرجوع إلى الدولة والتنسيق معها، الأمر الذي جعل الولايات المتحدة الأميركية وفقاً لهذه المصادر تبدي ميلاً واضحاً نحو إضفاء مشروعية دولية على حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها، بما يبقي شبح المواجهة العسكرية حاضراً ويوجب تفعيل دور الدولة اللبنانية بوصفها صاحبة القرار، لان استمرار اللعب على حافة الهاوية قد يسقط لبنان في المحظور في أية لحظة، فالحكمة والتبصر يجب ان تتغلب على الحالات الانفعالية لأن اللبنانيين دولة وشعباً ذاقوا مرارة هذه الحالات في العام 2006 وليسوا مستعدين على الارجح لتكرار هذا السيناريو، ويعود اللبنانيون في هذا السياق إلى مقولة أمين عام «حزب الله» الشهيرة بعد تلك المرحلة «لو كنت اعلم».
وعلى نفس الصعيد، ترى اوساط سياسية ان في زمن التحولات الكبرى دولياً، حيث لا يُمكن لأية جبهة ان تتكهن إلى أين تتجه المنطقة يفترض بأركان الدولة التمسك التام بالسيادة وحصر قرار الحرب بها واقفال الباب على أي تسريب من شأنه ان يجرها إلى حيث لا يرغب أي من اللبنانيين، وتعيد هذه الأوساط إلى الواجهة تحذير المنسق الخاص للأمم المتحدة في لبنان بعد جولته على كبار المسؤولين من مغبة تراخي الدولة اللبنانية تجاه امساكها بسيادتها.
وإذا كانت وحدة الموقف اللبناني السلاح الأمضى في مواجهة الخطر الإسرائيلي، كما نقل النواب، الاربعاء عن الرئيس نبيه برّي، فإن هذه الوحدة تعتبر الأوساط السياسية، لا يجوز ان توفّر غطاء لأي لبناني يسعى إلى جر البلاد في اتجاه الانغماس في صراعات المحاور التي دفع لبنان وما زال ثمنها من دماء أبنائه ومقوماته واقتصاده بحيث يعمل خلف ستار حق اللبنانيين الوارد في بيان المجلس الأعلى للدفاع تماماً كما ورد في البيان الوزاري، وفي أوّل تعليق لرئيس الجمهورية على العدوان الإسرائيلي الأخير، شكل ولا يزال موضع نزاع حيث تحفظت عليه بعض القوى السياسية لأنه شكل تفويضاً شرعياً لـ«حزب الله» للتحرك عسكرياً حيث يرتئي وتتناسب مع مصالحه العابرة للحدود والتي لا يخفيها على أحد.