كتبت رلى موفق في “اللواء”:
هل يستقيم تقدير «حزب الله» بأن «الرد المدروس» الذي وعد به على خرق إسرائيل لـ«قواعد الاشتباك» لن يجر إلى حرب على لبنان أو أقله إلى ضربات جوية؟ وما هي المعايير المعتمدة التي يمكن بموجبها اعتبار أن الرد تنطبق عليه مواصفات «الرد المدروس» أو «المدوزن»؟ ومن قال إن «حزب الله» لا يخطئ في تقييمه، ويمكنه تالياً ضمان أن إسرائيل ستحجم عن الرد على رده؟ ألا يجب أن نأخذ العبرة من حرب تموز 2006 التي حصلت نتيجة سوء تقدير في تقييم ردة الفعل الإسرائيلية على خطف جنود لها على الحدود، والتي قال يومها الأمين العام لـ«حزب الله» السيد حسن نصرالله أنه «لو كان يعلم» بما ستؤول إليه لما فعلها. وبناء على أي معطيات يتم الاستناد للخروج باستنتاج بأن إسرائيل لن ترد؟
الاستنتاج الذي يمكن أن يخرج به المراقب من تجارب الحروب مع إسرائيل ان لا قواعد يمكن الركون إليها، ومعه تصبح نظرية «الرد المدروس» مغامرة قد تؤدي إلى الانزلاق إلى حرب مدمرة. وما يزيد من خطورة الموقف ليس تفرد «حزب الله» بقرار السلم والحرب في لبنان، بل التصاق لبنان الرسمي به وتأمينه له الغطاء الشرعي للأعمال الحربية التي يمكن ان يقوم بها من الأراضي اللبنانية، من دون الالتفات الفعلي للتداعيات والنتائج التي ستسفر عن ذلك.
السؤال الذي يطرح نفسه بقوة: كيف يمكن للبنان أن يتحرك مستقبلا لحصد تأييد عربي ودولي في الوقت الذي يعلن فيه نصرالله أن سلاحه هو جزء من منظومة الدفاع عن إيران إذا استهدفت، وأن إسرائيل لن تبقى بمنأى عن الحرب حتى لو اعتقدت أنها حيّدت نفسها عن المواجهة الإيرانية – الأميركية؟.
هل أخذ المسؤولون اللبنانيون بجدية التقارير التي حملها لهم موفدون غربيون من أن «حزب الله» يحتمي بالأحياء السكنية والمناطق المأهولة من بيئته وحتى خارج بيته ويأخذ الناس دروعاً بشرية في إطار تطوير أسلحة تعتبر كاسرة للتوازن أو محظورة في معادلة الصراع القائم؟ هم لم يفعلوا إما عجزاً وإما تواطؤاً. وقد سبق أن ضربت السلطة الرسمية صدقيتها حين انبرت تنفي وجود أنفاق لـ«حزب الله» جنوب الليطاني اخترقت الحدود مع اسرائيل، ليخرج نصرالله لاحقاً متباهياً بوجود الأنفاق، حتى أن وزير الخارجية جبران باسيل حين قام بالاستعراض الدبلوماسي في محيط مطار بيروت، لنفي الخرائط التي أبرزها رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو من على منبر الجمعية العامة للأمم المتحدة عن وجود مخازن للصواريخ هناك، يدرك في قرارة نفسه أنه لم يُقنع المجتمع الدولي.
باتت اللعبة مكشوفة اليوم، في رأي متابعين لتطورات الأوضاع في المنطقة. والاعتقاد بأن لبنان محمي بمظلة آمان يحتاج إلى كثير من التدقيق عندما تتحول الساحة اللبنانية إلى مسرح عمليات في خدمة إيران وحمايتها وتحسين أوراقها. الحديث هنا لا يتناول كيف يمكن أن نحمي لبنان من مغامرة «حزب الله»، فلبنان الرسمي يقف خلف الحزب في مغامرته، ويرفده بقرار سياسي – عسكري داعم مهما كانت النتائج، انطلاقاً من حسابات بأن معركة شد الحبال الدائرة راهناً ستبقى تحت سقف الاحتواء دون انفلاتها وتدحرجها إلى حرب يقول الطرفان إنهما لا يريدانها.
ما وصل إلى الدوائر اللبنانية من أكثر من جهة كان واضحاً. نصائح بالحذر من أن انزلاق لبنان في أي مواجهة مع إسرائيل سيكون مدمراً. الفرنسيون نبهوا بأن الظروف اليوم مختلفة عما كانت عليه في العام 2006، حين وجد لبنان تضامناً عربياً ودولياً، ونجح رئيس الحكومة فؤاد السنيورة في رسم خط فاصل بين الدولة و«حزب الله»، وفي التوصل إلى حصد الدعم المطلوب لوقف الحرب الذي ترجم بالقرار 1701. هذه الحدود الفاصلة ذابت بفعل التسوية ووجود رئيس للجمهورية شبه معزول عربياً ودولياً، فيما لن يكون بمقدور سعد الحريري الذي يشكل اليوم النافذة السياسية إلى الحاضنة العربية والغرب أن يفعل الكثير أو أن يؤثر في مجريات الموقف العربي والدولي حين يكون العنوان مرتبطاً بالمواجهة مع إيران وليس بلبنان.
والرسالة الأميركية، وفق المعلومات المتوافرة، حملت تحذيرات لجهة عدم ضمان تحييد العاصمة ومناطق لبنانية معينة والمنشآت والبنى التحتية من التدمير كما جرى في حرب تموز، ما يطرح سؤالاً عن أي مصير ينتظر لبنان الغارق في أزمة اقتصادية – مالية، والذي يُعتبر على شفير الإفلاس، إذا ما ضربت منشآته الحيوية؟ وإذا طال الاستهداف مناطق مأهولة بالسكان؟ أي مصير ينتظر اللبنانيين إذا استهدف المطار والبنى التحتية من محطات الكهرباء وجسور ومرافق؟ من سيعمل على إعادة اعمار ما تهدم؟ وألن يكون مصير «سيدر» في مهب الريح عندها؟
كان الرهان الدولي على أن ينجح لبنان في تحييد نفسه عن الصراع المحتدم في المنطقة واتباع سياسة النأي بالنفس. وقد دفع في هذا الاتجاه من خلال المؤتمرات التي عقدها من بروكسل إلى روما إلى باريس لمساعدته في اعباء أزمة اللجوء السوري وتأمين الدعم للجيش اللبناني ودعمه في توفير فرص نهوضه الاقتصادي شرط الولوج إلى حزمة من الإصلاحات والسير في احترام وتطبيق القرارات الدولية، والعمل على وضع استراتيجية دفاعية تؤول إلى حصر السلاح بيد القوى النظامية.
ولكن، في كل مرة كان سفراء مجموعة دعم لبنان أو ممثلو الأمم المتحدة يطرحون مسألة الاستراتيجية الدفاعية على رئيس الجمهورية، كانوا يسمعون وعوداً كلامية تبقى من دون ترجمات عملية، بحيث أن الرئيس ذهب أخيراً إلى الحديث عن الحاجة إلى رؤية مختلفة حيال الاستراتيجية الدفاعية ووظيفتها، ليذهب المجلس الأعلى للدفاع برئاسته وحضور كبار اركان الدولة ومسؤوليها في الجلسة الطارئة بعد الاستهداف الإسرائيلي بطائرات مسيّرة للضاحية الجنوبية، إلى التأكيد على حق اللبنانيين في الدفاع عن النفس بكل الوسائل ضد اي اعتداء.
أيام عدة مرت على الهجوم الإسرائيلي، دون أن يكون هناك اعلان عن طبيعة الهدف الذي يعرفه اثنان: الحزب وإسرائيل. خرجت إسرائيل أمس عارضة روايتها عن مشروع الصواريخ الدقيقة التابعة لإيران ولحزب الله، والتي سبق أن أعلن أمين عام «حزب الله» بنفسه أنها وصلت لبنان وباتت في عهدة الحزب. وذهب نصرالله في اطلالته الأخيرة ليعلن أنه سيتم اسقاط الطائرات المسيّرة، بما يعني أنه يعلن أن لدى الحزب المنظومة القادرة على إسقاط «الدرونز». فكيف سيواجه لبنان الرسمي المجتمع الدولي إذا كان نصرالله يعلن أن الصواريخ الدقيقة أرض – ارض أصبحت في يده وأنه بات يمتلك منظومة اسقاط الطائرات المسيّرة التي تحتاج إلى تقنيات محددة وإلى وجود صواريخ أرض- جو، بما يشكل خرقاً للقرار 1701 ولقواعد الاشتباك نفسها التي اعتبر الحريري أنه تمّ كسرها؟ وهل بمقدور اركان الحكم حماية لبنان بما وفره من غطاء ومشروعية لـ«حزب الله» الذي يشكل ذراعاً عسكرية إيرانية في مواجهة تتخطى لبنان ومصلحته؟
من هنا بات لازماً على أولياء الأمر في لبنان أن يصارحوا الشعب اللبناني لأن يتحضروا للأسوأ القادم. فالساحات متشابكة والأوعية متصلة من سوريا الى لبنان إلى العراق واليمن، والقرار بيد «حزب الله» دون أي اعتراض!