لم يعد فرض الخزانة الاميركية عقوبات على شخصيات وشركات تزعم انها تدعم وتساعد حزب الله، لا سيما على الصعيد المالي، أمرا مستغربا. ففي حسابات ادارة الرئيس دونالد ترامب، يُعتبر “سلاح” التدابير الاقتصادية القاسية، “الاعتى” والاكثر فاعلية في المواجهة التي تخوضها مع ايران ومتفرعاتها في المنطقة. وهي قررت اللجوء اليه والاعتماد عليه في شكل أساسي، لتجفيف منابع تمويل “الجمهورية الاسلامية” وأذرعها، والتي تراها واشنطن، أكبر مغذي الارهاب في العالم.
من هنا، لم يثر إدراج الولايات المتحدة امس مصرف “جمال ترست بنك” اللبناني على لائحتها السوداء، لكونه “جهة مصرفية رئيسية لحزب الله في لبنان ويتمتع بتاريخ طويل ومستمر في تقديم مجموعة من الخدمات المالية “لهذه الجماعة الإرهابية”، وقد حاول إخفاء علاقاته من خلال العديد من الواجهات التجارية لمؤسسة الشهيد التي سبق للولايات المتحدة أن أدرجتها على قائمة العقوبات”، وفق ما أعلن مساعد وزير الخزانة الاميركية لشؤون مكافحة تمويل الإرهاب مارشال بيلينغسلي اليوم- لم يثر ضجة أو استغرابا الا لكونه طاول مصرفا لبنانيا، وقد حرص المسؤول الاميركي على الفصل بينه وبين التعاطي الاميركي مع القطاع المصرفي ككل، اذا قال “إجراءات العديد من المصارف اللبنانية الأخرى تحافظ على الأمل في وجود قطاع مالي مستقر وسليم وعلى الاستثمار الأجنبي في البلاد أيضا..ونحن على ثقة في أن مصرف لبنان سيتخذ الخطوات المناسبة لتجميد جمال ترست بنك وإغلاقه وتصفيته”.
ما يجدر التوقف عنده، وفق ما تقول مصادر سياسية مراقبة لـ”المركزية”، هو ان الخطوة الاميركية الاضافية تعكس مجددا مدى اصرار البيت الابيض على “تصفية” حزب الله، عبر تشديد طوق العقوبات حول عنقه. الا ان ما حصل يتّخذ أبعادا مضاعفة اليوم لكونه يأتي على مسافة ايام قليلة من ضربة عسكرية -هي الاولى من نوعها منذ دخول القرار 1701 حيز التنفيذ بعيد حرب تموز 2006- نفّذها الجيش الاسرائيلي في قلب الضاحية الجنوبية لبيروت، معقل حزب الله… فهذا التزامن، إن دلّ على شيء، فعلى قرار دولي كبير، بتكثيف الضغوط على الحزب، من كل حدب وصوب، بالسياسة والمال والعسكر، لإنهاكه واستنزافه، ويتأكد للمراقبين أكثر يوما بعد يوم، أن ثمة توزيعا للادوار والمسؤوليات بين الاميركيين والاسرائيليين – وسط غضّ طرف روسي لافت – في “مهمّة” محاربة حزب الله وكل فصائل ايران المنتشرة في سوريا والعراق ولبنان…
وامام هذا الواقع القديم – الجديد، تقول المصادر ان السؤال الذي يفرض نفسه هو كيف سيتعاطى “لبنان الرسمي” مع الملف؟ واذا كان لا غبار على موقفه من ادانة الاعتداء الاسرائيلي على السيادة اللبنانية، فإن الحاجة ملحة، بحسب المصادر، لأن يُثبت- في حين يقدّم لحزب الله عبر الحكومة الحضنَ الحامي والغطاءَ الشرعي الكامل – أن الدولة لا تغطي اي خروق للقرارات الدولية ولسياسة النأي بالنفس، وأنها تتمايز في مواقف كثيرة عن “الضاحية”. فعشية توجّه رئيس الجمهورية العماد ميشال عون الى نيويورك للمشاركة في الجمعية العامة للامم المتحدة، وفي وقت تنتظر بيروت مساعدات دول “سيدر”، وفي وقت التزامُ “لبنان – المالي” بالقرارات الدولية محطّ ثناء خارجي، لا يمكن “للبنان – السياسي” اعتماد خطاب متماه الى حدّ “الذوبان” مع حزب الله، لان أداء كهذا قد يضرّ بالمصلحة الوطنية العليا للبلاد. فهل سيعرف الممسكون بدفة قيادة السفينة اللبنانية، كيف يدوزنون موقفهم، فيتمكّنون من حماية “الحزب” من دون التضحية بلبنان؟