كتبت فاتن الحاج في صحيفة “الأخبار”:
ثلاثة من أربعة مستشفيات في لبنان تبلّغ القوى الأمنية عن حالات الجرعة الزائدة من المخدرات (overdose) قبل إسعافها في قسم الطوارئ. هذه الممارسة تخرق تعميم وزارة الصحة الرقم 46 بتاريخ 22/3/2016 الذي يعتبر أن «المدمن مريض وضحية وليس مجرماً»، ويلزم المستشفيات التعاطي معه على هذا الأساس، وبأن لديه كامل الحق في الصحة، الحماية، السريّة والخصوصية. أما الخوف من التوقيف فيحرم 50% على الأقل، من المعرّضين للجرعة الزائدة، من تلقي الخدمات الطبية الطارئة التي يمكن أن تنقذهم من موت محتّم.
في «اليوم العالمي للتوعية على مخاطر الجرعة الزائدة»، الذي يصادف غداً، تبدي ميشيل وزّان، منسقة قسم السياسات الخاصة بالمخدرات في «المركز اللبناني للإدمان ــــ سكون»، قلقها من تناقص عدد المستشفيات التي لا تبلّغ القوى الأمنية عن حالات الجرعة المفرطة. عدد المبلّغين بات أكثر حتى مما أظهره المسح الذي أجراه المركز العام الماضي (28 مستشفى خاصاً وحكومياً فقط من 133 لا تبلّغ عن الحالة)، يتركز معظمها في بيروت وجبل لبنان. والسبب؟ تجيب: «هناك أسباب عدة، منها عدم تدريب الفريق الطبي والتمريضي على مضمون التعميم وعدم مراقبة تطبيقه أصلاً، في حين أن عدم تقيد المستشفيات قد يعود ببساطة إلى عدم معرفة جميع الموظفين في المستشفى نفسه بالتعميم، أي أنّه في المستشفى الواحد، قد نجد موظفاً صادف وجوده في قسم الطوارئ يبلّغ عن حالة وآخر لا يبلّغ».
50% من المعرّضين للجرعة الزائدة يخافون من الذهاب إلى المستشفى
الإجراء الذي تقوم به المستشفيات يستند إلى تعميم وزارة الداخلية والبلديات الرقم 55 بتاريخ 1/4/2006 الذي يطلب إعلام قوى الأمن الداخلي عن الحوادث المتأتية عن «فعل الغير». وبحسب وزّان، فإنّ المستشفيات تفسّر «فعل الغير» بكل فعل غير قانوني، ومع أن الجرعة الزائدة ليست «فعل الغير»، فإنّ «الخوف من الوصمة والتمييز ضد مستخدمي المخدرات يؤدي دوراً كبيراً في قرار المستشفى». المفارقة أن المستشفى قد يستقبل حالة الجرعة الزائدة من الكحول باعتبارها مادة قانونية، فيما لا يستقبل الجرعة الزائدة من المخدرات، علماً بأن كليهما على المستوى نفسه من الخطورة!
اللافت ما تشير إليه وزّان لجهة أن إبلاغ المستشفى للقوى الأمنية «يمنع حتى آخر شخص رأى حالة الجرعة الزائدة من تقديم المساعدة أو استدعاء سيارة الإسعاف بالحد الأدنى، ويحدث كثيراً أن يرمي المنقذ الحالة على باب المستشفى ويهرب». وأوضحت أنّ أي «شخص يستخدم المخدّرات، حتى لو كان ذلك للمرة الأولى في حياته، معرّض للجرعة الزائدة، وليس فقط من يستخدم المخدرات منذ زمن».
في عام 2015 ، أجرى «سكون» مقابلات مع 300 مستخدم للمخدرات، 35% منهم تعرضوا للجرعة الزائدة. ولم يسع 50% من هؤلاء للحصول على رعاية طبية خوفاً من التوقيف، فيما من ذهبوا إلى قسم الطوارئ للحصول على المساعدة، انتهى الأمر بإلقاء القبض عليهم ومقاضاتهم.
ووفقاً لمسح أجراه المركز عام 2018، شمل 3274 شاباً وشابة بين 18 و35 عاماً، تبين أنّ شخصاً واحداً من كل 4 أشخاص يعرف أحداً أو تعرّض هو نفسه لحالة طارئة متصلة بالمخدرات.