كتبت هديل فرفور في صحيفة “الأخبار”:
يُصنّف لبنان بين أكثر الدول تشدداً في العالم في تطبيق قوانين الجنسية التمييزية ضدّ المرأة. وفي وقت تخطو فيه البلدان العربية والافريقية خطوات كبيرة نحو إصلاح قوانينها، لا يزال بلد الأرز الأكثر تخلّفاً عن التطورات الحاصلة، عالمياً وإقليمياً، على صعيد قوانين الجنسية، ومتردداً حتى في إقرار إجراءات بديهية كالإعفاء من إجازات العمل للأبناء المولودين من أم لبنانية!
أكثر من 85% من بلدان العالم تخلّت عن قوانين الجنسية التمييزية بين الجنسين، بما فيها مدغشقر وسيراليون أخيراً، فيما لا تزال نحو 50 دولة تعمل وفق قوانين تمييزية على أساس النوع الإجتماعي، ونصفها (25 دولة) تمتلك قوانين تحرم النساء من حقّ نقل جنسيتهن إلى أطفالهن.
ورغم أنّ منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا تضم أكبر عدد من الدول التي لا تعترف بحقّ المرأة في منح جنسيتها لأطفالها (12 دولة من أصل 25 في العالم تحرم المرأة من هذا الحق)، إلّا أنّها شهدت منذ عام 2000 إصلاحات ضخمة تدعم المُساواة في حقوق منح الجنسية. فخلال 13 عاما فقط، تبنّت خمس دول في المنطقة (الجزائر 2005، مصر 2004، المغرب 2007، تونس 2010 واليمن 2010) إصلاحات تحمي الإمكانية المتساوية للمواطنين لمنح جنسياتهم لأبنائهم.
هذه الأرقام استعرضتها «الحملة العالمية من أجل الحقوق المتساوية للجنسية»، في مؤتمر صحافي عقدته في بيروت أمس لمناسبة «الإجتماع الإقليمي للمجتمع المدني في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا حول تحقيق حقوق متساوية بين الجنسين للجنسية». وهي تفضح حجم تخلّف لبنان عن التطورات الحاصلة، عالمياً وإقليمياً، على صعيد قوانين الجنسية، وغيابه عن مساعي إقرار حق النساء البديهي، إسوة بالرجال، في منح جنسيتهن لأولادهنّ وأزواجهّن.
الحملة استعرضت تجارب الإصلاحات في الشرق الأوسط، فلفتت الى تبنّي قوانين في تونس والجزائر دعمت حق النساء في منح جنسيتهن لأزواجهن، فيما أقرّ العراق عام 2006 إصلاحات تمنح مواطنيه القدرة المتساوية على منح جنسيتهم لأبنائهم المولودين داخل أراضي الدولة. وفي وقت تخطو فيه البلدان العربية خطوات كبيرة نحو إصلاح قوانين الجنسية، لا يزال لبنان مترددا في إقرار إجراءات بديهية كالإعفاء من إجازات العمل! وفي هذا السياق، ذكّرت المديرة التنفيذية لـ«منظمة تضامن النساء للتعلم» لينا بو حبيب بردّ رئاسة الجمهورية اللبنانية، الشهر الماضي، قانون «الإعفاء من إجازات العمل لأولاد الأم اللبنانية المتزوجة من أجنبي»، وهو «أضعف الإيمان»، فيما أشارت منسقة حملة «جنسيتي حق لي ولأسرتي»كريمة شبّو الى قانون تعديل الجنسية الذي وضعته «اللجنة الوطنية لشؤون المرأة اللبنانية»، أخيرا، والذي «ابتدع التمييز بين أبناء الأم الواحدة» (القاصر الأجنبي يُمنح جنسية أمّه اللبنانية، فيما أخوه الراشد يحرم منها).
تقرير «التمييز بين الجنسين وانعدام الجنسية في مرحلة الطفولة»، الذي أطلقته الحملة هذا الأسبوع بالتعاون مع «اليونيسف» ومفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، صنّف لبنان في خانة البلدان الأكثر تشدداً بين الدول الـ25 التي تحرم النساء من حقّهن في منح الجنسية لأطفالهن، إلى جانب ايران والكويت وقطر والصومال وسوازيلاندا وبروناي.
القوانين التمييزية إنتقاص من مواطنة المرأة وترسيخ لفكرة أنها تابع ومواطنة درجة ثانية
رئيسة جمعية «معهد تضامن النساء الأردني» أسمى خضر نوّهت بالتأثيرات التي تلحقها هذه القوانين على الأطفال، «وهو نقاش لا يتم طرحه كثيرا»، لافتةً إلى أن القوانين التمييزية «إنتقاص من مواطنة المرأة وترسيخ لفكرة أنها تابع ومواطنة درجة ثانية».
وركّز عليه التقرير على الربط بين قوانين الجنسية التمييزية على أساس النوع الإجتماعي وانعدام الجنسية في مرحلة الطفولة، معتبرا أن هذه القوانين هي السبب الرئيسي لانعدام الجنسية في مرحلة الطفولة على الصعيد العالمي، مشيراً إلى وجود أن من 15 مليون شخص في العالم محرومون من الحق في الجنسية.
ولفتت الحملة إلى أن محرومي الجنسية من الأطفال يعانون من عدم تمكّنهم من الحصول على وثائق كالميلاد والزواج ورخص القيادة، فضلا عن أنهم يواجهون في الغالب تحدّيات في الوصول للحماية القضائية ولا يتمتعون بحرية الحركة.
وإلى المشاكل النفسية الحادة والعزلة الإجتماعية والتهميش في فترة نمّوهم، يواجه الأفراد المتضرّرون من هذه القوانين التمييز والإقصاء في كل مناحي الحياة، إضافة إلى مواجهتهم عوائق في الحصول على التعليم والرعاية الصحية والخدمات الإجتماعية. وتتعرّض غالبيتهم للإستغلال عبر العمل غير الرسمي، «وبالتالي يمكن أن يصبحوا ضحايا للعنف والإتجار». انطلاقا من ذلك، تغدو المطالبة بالقضاء على القوانين التمييزية أمراً ملحّاً لتدارك هذه التداعيات على الأطفال وللحؤول دون إيجاد جيل من الأطفال الذين لا يحملون جنسية.
ويشير تقرير «مواطنون متساوون، عائلات ناجحة، مجتمعات أقوى»، الصادر عن «المفوضية السامية للامم المتحدة لشؤون اللاجئين» و«الحملة العالمية للحقوق المتساوية في الجنسية»، الى أن «التجارب تظهر أنه يمكن إجراء مثل هذه الإصلاحات في دول المنطقة عند توافر الإرادة السياسية»، فيما الواضح في لبنان أن الإرادة السياسية هي التي تعرقل تبنّي إصلاحات من هذا النوع. وتخلص شبّو إلى أنه «صحيح أننا نشهد تقدماً في دعم الاصلاحات على مستوى الرأي العام، لكّننا في الفترة الأسوأ لأن من في السلطة هم المعارضون الأوائل لحقوقنا التي نطالب بها منذ سنوات طويلة».